عقد في مدينة عمّان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، بتنظيم من منتدى الفكر العربي، وبرئاسة سمو الأمير الحسن بن طلال رئيس المنتدى وراعيه، مؤتمر «أعمدة الأمّة الأربعة»،بمشاركة مثقفين وأكاديميين وممارسين سياسيين وناشطين مدنيين من دول منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا. وقد عُرِّفت الأعمدة الأربعة بأنها تتألف من العرب والتُرك والفُرس والكُرد.
وفي كلمته خلال افتتاح أعمال المؤتمر دعا صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، الجميع إلى استخدام منطق العقل وأدب الحوار، خاصة وأن الموضوعات التي تنضوي تحت هذا العنوان كثيرة. وأكد سموه أن منطقتنا التي تدعى أحياناً بالشرق الأوسط تبقى غير محددة المعالم لفظاً أو مضموناً. وأكد أن المقصود بها هو المنطقة العربية وتركيا وإيران.
وقال سموه:إنَّ المكونات الديمغرافية الأربعة تعاني من اختلافات فكرية وسياسية وثقافية، وإنَّ التحديات التي تجمعها كثيرة، ولكن علينا أن لا ندع الفوارق تسيطر على المشتركات.
وأشار سموه إلى أننا بحاجة إلى مواجهة التحديات التي تفرض نفسها علينا بأسلوب القضايا الجامعة، مثل تحقيق الأمن الشامل بمفهوم التصدي لأسلحة الدمار الشامل، ومفهوم مواجهة التحديات الحياتية في تحقيق كرامة الإنسان وحاجاته الأساسية، والتحرّر من الجوع والخوف.
وأكد بأننا في حاجةٍ إلى مشروع ثقافي حضاري جامع، يعيد لأمتنا ومنطقتنا دورها الإنساني والحضاري كما كانت مصدر إشعاع فكري لمدة خمسة قرون متوالية في العصور الوسطى، ومركز ربط بين الشرق والغرب، وإلاّ فإن أهميتنا الجغرافية والبشرية والمواردية ستصبح بيد الآخرين يتصرّفون بها حسب مصالحهم.
وقد تقدَّم عددٌ من المثقفين الترك بعرض وجهات نظرهم وطرح مفهومهم على أساس أننا يجب أن نعترف أن تاريخنا وديننا المشترك هو الذي أثبت أنه المرجع الذي يجمعنا، خصوصاً في الإشارة إلى موضوع اللاجئين السوريين. فيفما ظهرت إشارات إلى أن البعض في العالم ضاق ذرعاً باللاجئين عندما وصل إليه عدد محدود منهم، نرى أن كلاً من تركيا والأردن ولبنان قد استقبل الملايين منهم بكل رحابة صدر.
وأكد المشاركون في هذا السياق أهمية الابتكار الثقافي، ودور المرأة في بناء السلام، وضرورة تمكين الشباب وأهمية دورهم في بناء المستقبل.
كما تناول عدد من المثقفين الإيرانيين ضمن رؤيا تتعلق بواقع ومستقبل العلاقات بين أعمدة الأمّة،شواهد تاريخية على أنه لما تضافرت حضارات الأندلس والوطن العربي مع الحضارة الفارسية تحت راية الإسلام، فقد حقَّقت الأمة إنجازات علمية لا تضاهى.
كما حرص المثقفون الإيرانيون على التأكيد بأن الانغلاق على المواقف الضيقة والاستقطابية سيؤدي إلى الشرذمة، ولذلك فإن إيران ترى أن ما يجمع بين الفرس والعرب والترك أكثر مما يفرقهم.
أما بخصوص الرؤية الكردية فقد تحدّث عنها عدد من المثقفين الكُرد، بإشارتهم إلى المعاناة التي عاشوها، وأكدوا أهمية البحث في الحاضر واستشراف آفاق المستقبل بالرغم من أنهم كانوا فخورين بمساهماتهمبالدفاع عن الإسلام والمسلمين ضد الغزو الخارجي. وهم يؤيدون أن الحوار بين الأطراف المختلفة يجب أن لا ينحصر في الإطار السياسي، أو بين الدول. بل يجب أن نتجاوز ذلك للحوار بين مكونات المجتمع وقادته الفكريين حيث التنوع الذي يغني مستندين إلى الآية الكريمة (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّأَكْرَمَكُمْعِندَاللَّهِأَتْقَاكُمْ إِنَّاللَّهَعَلِيمٌخَبِيرٌ)) – سورة الحجرات: 13 –
ودعت الرؤية الكردية في مشتركاتها إلى تحقيق المساواة في علاقتهم مع إخوتهم العرب والفُرس والتُرك، وأن يكون لهم الحقوق والواجبات نفسها، ويجب أن نتجنب الخلافات التي تشعل الحروب على حساب الحياة الإنسانية الكريمة، وجعل الكُرد أوغيرهم وقوداً لهذه الحروب.
كما تحدث عدد من المثقفين العرب وأشادوا بمبادرة منتدى الفكر العربي في توسيع دائرة الحوار الذي بدأ قبل نحو أربعة أشهر بعنوان «الحوار العربي الكردي» وأِشادوا بدور ورعاية سمو الأمير الحسن بن طلال والاستجابة الكبيرة التي لقيتها هذه المبادرة، وقدموا مع زملائهم التُرك والفُرس والكُرد مقترحات من شأنها إدامة هذا الحوار وإكسابه طابع الاستمرارية لتفعيل الرؤية المشتركة، وذلك من خلال مقترح تشكيل فريق عمل يجمع شخصيات من أعمدة الأمّة الأربعة، والعمل على تنظيم ندوة أو مؤتمر سنوي بإشراف المنتدى لبحث جوانب العلاقات المختلفة: الثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، وكل ما يتعلق بالتنمية والتعاون وبروحٍمن القيم الإنسانية، ولا سيّما الحرية، والمساواة، والعدالة، والشراكة، والمشاركة، والتسامح، والسلام، والعمل على نقل الحوار إلى عواصم ومدن الإقليم الذي تمثّله الأعمدة الأربعة.
واتفقوا على مدّ الجسور بين فريق العمل ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالحوار، وأصحاب القرار، والجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات وتشجيعها على إطلاق منصة معرفيّة، بهدف تجسير الفجوة من جهة بين المفكر والمثقف والأكاديمي، وبين الإدارات الحاكمة وسلطاتها المختلفة من جهة أخرى،بهدف تعزيز التكامل والتفاعل والتواصل والمشاركة في إطار خطط التنمية والتعاون. كما أشاروا إلى أهمية اكتساب المهارات اللغوية للأعمدة الأربعة ودورها في تعزيز التفاهم والفهم المشتركين.
وأكّد المشاركون أيضاً ضرورة الاهتمام بالشباب لأنهم يشكلون الغالبية السكانية من مجتمعات الأعمدة الأربعة، وضرورة إعدادهم للمستقبل وتهيئة الأجواء المناسبة للحوار والشراكة فيما بينهم.
وناشد المجتمعون الإعلام في بلدان أعمدة الأمّة الأربعة بالالتفات إلى أهمية إبراز الجوامع والمشتركات والسعي لتعظيمها، خصوصًا وهي تمثل رسالة أساسية لمنتدى الفكر العربي.
البيان الختامي لمؤتمر «أعمدة الأمة الأربعة» / منتدى الفكر العربي
التعليقات مغلقة