مهيمنات الدال في تشغيل بنية النص الشعري

هشام القيسي

عبر عتبة  مجموعتها الشعرية ( مرافئ ضبابية ) يمكن فهم ثيمات قصائدها التي تكفينا مؤونة التأويل عن الإبهام الشفيف، وهذا الفهم يبدو منذ اللحظة الأولى محاولة لتشكيل مفارقة تنحو نحو تأكيد ملامسة وتفعيل الحس الإنساني في إنتاج الدلالات بروح سائحة هائمة : – 

( إذ تضيق بي الدنيا ، أعود إلى ذاتي أحتضنها ) فاحتضان الذات من ممكنات المشهديات بينما المفارقة الدلالية في ( موت اللبلاب حسر ة من دون شرفة يتسلقها ) وكذلك في وجعها الشاهر ( وهل فيكم أحد مثلي ؟ أتحمل ليلي في نهاري البائس ) بدلالة الزمن الماضي/ الحاضر ، فالشاعرة أشهرت من مخزونها ، من فضاء محدود إلى فضاء فسيح ، تحركت فيه وعليه لتؤشر مرجعا له بصمته في سياق النص سواء في إطاره أو في تشعباته كيما تفعل مساره وفق توجهاته ومقصدياته كذلك :

( إمح عن عالمك الوهمي

  ذلك التجوال في طرقي المهجورة

  المسكونة بالريح

  وانفض عن نفسك

  كفن المخيلة الذي تتدثر به ..)

 فبهذه الدينامية والحيوية وبهذه الاضداد تتشكل مؤشرات استرسالات الشاعرة في سردها الشعري بغية إشهار الوظيفة التوجيهية والتعويضية وإبقاء تعبيرات الرؤيا الشعرية متماسكة :

( أين كنت عندما كان الهدف أقرب ؟

  ولِمَ خبأت كل هذا الجموح ؟

  وأودعته في سفر الأيام ؟

 ولم الآن الآن أورقت حروفك

 قصائد تهز أغصان السنين ؟ )..

ان الشاعرة تشع على مستوى الحلم في طابعيه الإشاري والرمزي لتعطي تدفقا لما هو أشمل وأعم بمعانيه ومدلولاته ، ووفق هذا السياق تحاول أن تشحن أشياءها بغية الخلاص من التأويل تحت صور شعرية تضئ الإيقاع وتعزز من ثيمة النص :

( وذبحتَ الشعر ، فانتحرت القوافي

  وتهشم القنديل الذي كان

  لا يقبل القسمة إلا عليك

  وبكت الشمس وشقت خدودها

  وضاع القصيد .. لماذا ؟ )

ولهذا فصورها خصبة يحتضنها نصها الشعري، فهي تندرج بوضوح ضمن مكوناته لأنها تحتل مقاما متميزا في النسيج تجسد الحدث الداخلي وزمنه من خلال تجربة معينة تستحضرها لا يختلط فيها الخيال رغم سطوة الخيال الإنشائي ووظيفته ، على ان هذه الصور لا تنحصر في بعد محدد بل من خلال أبعاد تفاعلية تحدد معالم إرسالها :

( وتيقنتُ أنك تزحف نحوي

  ووجدتك مقيما في أوردتي .. )

        و

(( رحلتَ ولملمتَ ألوان الفصول

   أودعتها في حقائب الذكرى. . ! )

أما صياغتها النصية لقولها الشعري فيتنوع إلى حد ما مع هيمنة السياق السردي الشعري الذي يتوافق مع الداخل وبدلالة ثيمات القصائد مما يشكل أفقا قائما مستقلا يقصي التكرار ويغيب مشابهاته ويعطي استقلالية للقصائد دون تأوه يقتنص من هذه القصيدة أو تلك :

( رغم المدامع

  رغم امتداد الجرح ، وعنفوان الحجر

  رغم السلاسل ووجع السنين

                                وغياب القمر

 فأنا الأرض أنادي

 أستنجد الإله

 وضمير البشر. .) 

     و 

( أجملُ الصباحات لم يتفتقهُ فجرٌ بعد

  وأجمل الأيام في انتظارنا

  فأنتظر )

الشاعرة إذا في حلمها الداخل إزاء الظاهر المختلف يشير إلى انسجام في بنية النص ويومئ إلى تكامل في التعاطي والتقابل بين إفرازات اللحظة الشعرية بمختلف صورها وتجلياتها تعبيرا عن حسها وعمق البؤرة الشعورية المولدة التي تثري تواصلية الخطاب المتمحور حول النص .

وتأسيسا على ما تقدم فان نصوص المجموعة تتفاعل فيها الهموم والهواجس المتداخلة الحالات من خلال الدوائر الزمنية ومستوياتها الثلاث وتتقابل على شكل ترشحات باعتماد مرجعية الموجه الذي يؤطر النص سواء في تأريقه أو ثقله ببصماته أو تطلعاته وفق صيرورة تستدرك الانعكاسات بكيفية في الاتجاهين السالب والموجب على حد سواء :

 ( ما زالتْ أزهار المواسم

لم تذبل في بستاننا .

  ولم أدع الغير أن يلامسَ بالسوء ،

 شعرك الفواح بالعنبر.

  فوقفتُ في محرابك المقدس ناسكة أدعو :

  أن لا يحاصر سوادُ الغيوم

  مواسمنا الملونة

  وأن لا تمس العواصف عش أحلامنا ..

  وأن لا تفرق شملنا

  الرياحُ الهابة في غير مواسمها ) . 

والحق ان مجموعتها الشعرية تعد من المجاميع المائزة في تراث المدينة الشعري لتداخل وتقابل القصائد في سياقات إستكناه المعاني والمضمر من التعبير على وجه الخصوص وهذا ما يكسبها تلقيا لدلالاتها ووجاهة لتعاطيها ، ومثل هذه المجموعة تستحق التأمل والقراءة الهادئة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة