للمترجم والباحث سعيد الروضان
محمود خيون
يعد كتاب( العراق في لجة الامم ) للمترجم والباحث الكبير سعيد الروضان من الكتب المهمة التي تعني بتأريخ العراق وعلاقته بالدول المحيطة به…الجزيرة العربية والحجاز وتركيا وسوريا وتداخلها فيما بعض بسبب الإحتلال العثماتي وغيره من الاحتلالات التي مرت بها المنطقة في تلك الفترة من الزمن…وهو مادة دسمة وثرية للباحثين والدارسين في علوم التأريخ والحضارة العربية وتأريخ العراق على وجه التحديد…
ويتضمن الكتاب كذلك مجموعة من الصور الفوتغرافية النادرة التي توثق جانبا من الحياة اليومية والعادات واهم الحرف اليدوية والأمكنة في بلاد مابين النهرين (العراق ) قبل أكثر من مئة عام، إضافة إلى مواقع مهمة صارت الآن بحكم الأثرية ولكن للاسف يعتريها الإهمال والنسيان ولعل من أبرزها جامع مرجان الذي يقع قرب الشورجة في شارع الرشيد وسط العاصمة بغداد.
وفي مدخل الكتاب الأول( العراق..حياة العربي في دولة ما بين النهرين ) بقلم..ادموند كاندلر…وهو السير ( آي دينسون روز وكان مستشرقا ولغويا متخصصا بلغات الشرق الأقصى قرأ ب ٤٩ لغة وتكلم ثلاثين لغة، وكان يعمل مديرا لمكتب المعلومات البريطاني…
ويقول ادموند كاندلر…( عندما يعبر الواحد منا ظلال النخيل إلى الرمال الجرداء أو أرض الطين المفخور والتي تعرف ببلاد مابين النهرين، تلك البلاد التي كانت يومآ ما غنية وكثيفة السكان، ومن النادر أن يجتاز المرء ميلا واحدا دون اكتشاف موقع أثري أو مدينة قديمة ) .
ويضيف في وصف رائع وبلغة شعرية( في الأفق الصحراوي، غير أن السراب يلوح متكسرا على التلال ويحمل طابوق بابل أختام الملك نبوخذ نصر التي شيدت على جدران مدينة الحلة وبغداد التي مثلت طبقة منفردة من أطوار الحضارات القديمة التي ابتلعتها الأرض العطشى. )..
ومن هنا تتضح الصورة إلى عمق عشق الغرب وخاصة الإنكليز لبلاد مابين النهرين والتي عبروا عن اطماعهم لها في محافل كثيرة كان آخرها الإحتلال البريطاني وحتى بعد جلاءهم من العراق على خلفية أحداث ثورة العشرين وما تلاها من انتفاضات شعبية وطنية، ظلت أنظارهم شاخصة صوب منابع النفط ونيران ابارها المشتعلة على الدوام وإلى يومنا هذا…اضافة إلى خيرات البلاد الأخرى كالمعادن والمناجم و غيرها…
ويصف ذلك ادموند ندلر بالقول( إن السكان العرب الاصليين الذين استوطنوا الأرض المزروعة في حوضي دجلة والفرات هم الآن وريثو المهاجرين من صحارى الجزيرة العربية من الناحية الجسدية، فإن تكيفهم للحياة الزراعية حسن من وضعهم الجسماني، أنهم يتغذون جيدا وأصبحوا أقوياء وزادت اوزانهم وأحوالهم من البدو واصبحوا أكثر ضخامة في العظام ).
وهذا ما يدل على أن الغرب ينظر إلى العراق ومن البلاد العربية الأخرى على أنها بلاد الخيرات والناس الطيبين والاقوياء على تحمل مشقة العمل وقساوة الحياة ومرارتها…
ولعل خير شاهد على تلك المعالم الحضارية الأثرية التي تنتشر في كل أرجاء العراق من الشمال إلى الجنوب والتي هي من أفكار وابتكارات العراقيين الذين امتازوا بالحرفية والمهنية والموهبة في كل شيء…
ويواصل المستشرق ادموند ندلر وصفه لطبيعة بلاد مابين النهرين بالقول( يمتاز الكثير من العرب الساكنين قرب الأنهار بالوسامة والنبل والمظهر الكيس كما أنهم يعتزون بكرامتهم، أما النساء فإنهن جميلات ويتجولن دون حجاب، ولبعض الأولاد شعر أشقر و كستنائي ، كذلك يلاحظ على مستوطن الأنهار كثرة ذريته كالشيخ بزوحاته الثلاث أو الأربع يتباهى بعائلة مكونة من أربعين إلى خمسين فردا، وفي منطقة( المنتفك) يجد المرء أول اتحاد عشائري عند مفارقة شك العرب متتبعا دجلة والفرات صعودا، فالافراد المنتشرون على منطقة تقدر مساحتها بخمسين أو ستين ميلا مربعا يؤمنون بأهمية زيادة عدد مقاتلي قبيلتهم البدوية الكبيرة ” عنزه ” والتي تمتد مناطق سكنى أفرادها من الحدود السورية إلى رمال الجزيرة العربية ))..
ويأتي هذا التحليل لقبائل ما بين النهرين أو الجزيرة العربية كون أن الكثرة في العدة والعدد بين القبائل والاقوام التي كانت تقطن هذه البلاد هي الأساس في تولد عامل الهيبة والقوة والغلبة الواحدة على الأخرى…وبهذا الصدد يشير الباحث المستشرق بأن (في شمال المنتفك وعلى ضفاف نهر دجلة يقابل المرء قبيلة ” البو محمد” وقبيلة ” بني لام” الخارجتين عن الطاعة للحكومة العثمانية قبل الحرب العظمى…وقد انظما إلى الأتراك ضد بريطانيا.. وأن هذه القبيلة ليست الوحيدة على هذه الشاكلة، بل كانت تلك الصفات امتيازا لعرب مابين النهرين أحقية طويلة تقدر بألفي سنة، على الأقل في مهاجمة وسلب وقتل الجانب الخاسر والشيء بالشيء يذكر، أنهم ” العرب” الذين هددوا جيش يوليوس قيصر.. أنهم بصراحة سراق يقتلون غنيمتهم قبل سلبها ويحفرون القبور ويتركون الموتى عراة…)).
بهذهالصورة المخيفة والمرعبة والتي تكتنفها الوحشية وقسوة القلب كانت أهم السمات التي تمتاز بها بعض القبائل التي تقطن مساحات واسعة من بلاد ما بين النهرين والتي كانت تعتاش على السلب والنهب ويأكل القوي منهم الضعيف وكما وصفهم المستشرق الإنكليزي موضوع البحث…هذا ويظم الكتاب( العراق في لجة الامم ) ..للباحث الكبير سعيد الروضان مداخل أخرى من اهمها مدخل( العراق من الإمبراطورية البابلية إلى الدولة العربية الحديثة) بقلم آرثر. دي. أليس كذلك مدخل( العراق حقائق وأرقام ) والحياة الكالحة للفلاحين الأتراك بقلم اج. أي ملتون و بزوغ وافول الإمبراطورية العثمانية بقلم: السير آي. دنيسون روز… واحتوى الكتاب أيضا على أبواب غاية في الأهمية وهي..سلطة المماليك والسلاجقة..ووبداية الإمبراطورية العثمانية وانتصارات بايزيد العسكرية و تيمولنك بايزيد وسقوط القسطنطينية والسيطرة التركية على مصر على مصر وسليم ورئاسة الإسلام وأعظم السلاطين تألقا وغيرها من الأبواب..
نقول ان كتاب ( العراق في لجة الامم )ماهو إلا وثيقة مهمة وتأريخية احتوت على جميع الجوانب والتفصيلات التي مرت على المنطقة وأثرت بشكل كبير على ملامحها الاصلية والتراثية وسجلت مواقفا يقف عندها القاريء والباحث بكل ذهول وإعجاب ودهشة..
ولايوفتني ما قاله الباحث والمترجم الكبير سعيد الروضان بأن ما جاء في الكتاب يعبر عن آراء مؤلفيه الإنكليز في ما كان يجري في العراق تلك الفترة العصيبة…