حسن العاني
من طريف الروايات الواقعية ، ان حرس الحدود في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ، اعتقلوا طالباً عراقياً اكمل دراسته في الخارج وعاد الى وطنه ، وكان عذرهم في اعتقاله ، انهم في اثناء تفتيش دفاتره عثروا على حروف انجليزية فسروها على انها شتيمة للسلطان … وهذه الحروف هي (H2O) رمز الماء ، لان(H2) هو حميد الثاني ، و (O) تعني (زيرو) او صفر ، أي ان السلطان لايساوي شيئاً ،أو انه عديم الفائدة !!
سقتُ هذه الحكاية لكي أشير سلفاً الى قضية قديمة تتعلق بتفسير او فهم (النص) سواء كان (ادبياً ، فنياً ، اعلامياً او فكرياً) وهذا التفسير طالما حجب مئات الاعمال الأدبية والأفلام والمسرحيات والمقالات و..و..بل كان في بعض الأحيان وراء تعريض أصحابها الى المساءلة القانونية او السجن ، ومعروف بأن الجهة الرقابية المعنية بفحص النصوص واجازتها ( ومن يماثلها كذلك في المهمة ذاتها ، رئيس قسم ..مدير تحرير .. رئيس تحرير .. الخ ) في أي بلد من بلدان العالم ، تخضع مثلما يخضع من يماثلها في طبيعة العمل الى جملة ضوابط تخدم سياسة البلد واهداف نظامه ، بغض النظر عن هوية النظام !!
هذا هو الاطار العام للرقابة ، ولكن المشكلة الحقيقية حين يتحول الملاك الرقابي ( رقيب مطبوعات ، خبير ، رئيس تحرير ، مدير تحرير ، رئيس قسم ) من وظيفته المحدودة على وفق الضوابط المنصوص عليها ، الى وظيفة جديدة ، تسمح لصاحبها ان ( يجتهد ) بما تمليه عليه ثقافته وايديولوجيته السياسية وقناعته الخاصة ، وفي البلدان التي تخضع للمحاصصة الحزبية يتصرف بما يتواءم مع أفكار حزبه وتوجهاته بعيداً عن مصلحة الدولة.
في حدود تجربتي الإعلامية التي تمتد ال 55 سنة تقريباً ، كنت في النظام السابق – اقدم مقالتي الى المطبوع (س) فيرفض نشرها لأنها (تتحارش) بالحكومة، فأنشرها في المطبوع (ص) ، واقدم مقالتي الى المطبوع (ص) فيرفض نشرها لأنها (تتحارش) بالحكومة فانشرها في المطبوع (س) ، واقدم مقالتي الى المطبوع (س) فيرفضها للسبب نفسه ، واقدمها الى المطبوع (ص) فيرفضها للسبب نفسه ، واقدمها الى المطبوع (ش) فينشرها ، واقدم مقالتي الى (ش) فيرفضها لأنها تتحارش بالحكومة … وانشرها في (س) او (ص) وهكذا ، فهل القوانين والضوابط أم هو الاجتهاد الشخصي وراء القبول أو الرفض ؟! وقد يسألني احدكم : وهل تغير الامر بعد (2003) ، وآمل ان يكون في عدم ردي على السؤال جواب واضح !!