بين السائل والمسؤول

-1-

جاء في التاريخ :

” ان رجلاً اعترض المأمون فقال :

أنا يا امير المؤمنين :

رجل من العرب

قال :

ليس بعجب

قال :

واني أريد الحج

قال :

الطريق أَمامكَ نهج

قال :

وليس لي نفقة

قال :

سقط الفرض عنك

قال :

اني جئتُكَ مستعطياً لا مُسْتَفتياً ،

والملاحظ هنا :

انّ وصول ( المواطن ) الى أعلى مسؤول في الدولة كان ممكنا ، حيث لم يمنع هذا السائل من الوصول الى السلطان ..!!

بخلاف ما عليه الحال اليوم، فان الحرّاس الشخصيين يحولون بين الناس وبين الوصول الى معظم المسؤولين فضلاً عن كبارهم ..!!

2 – كان الأليق (بالمأمون) – وهو ممن لم يُعرف بالبخل والامساك – ان يتجاوب مع الرجل ويبادر الى إكرامه ..

وربما استشف المأمون أنَّ ثمة لوناً من الاحتيال قد أُعدَّ لاقتناص المال منه ، ذلك أنَّ الفقير غالباً لا يفكر بالحج المشروط بالاستطاعة المالية .

3 – ان الذكاء الفطري كان وراء فوز السائل بما أراده ، حيث أنه اختار صيغة محرجة للمأمون لم تُبق له عذراً حين قال له :

” جئتُك مستعطيا لا مستفتياً “

وربما اختار السائل طلب الاعانة على الحج لانّ المال المطلوب لايصاله الى الديار المقدسة ليس بضعَ دراهم أو دنانير، وانما هو مبلغ كبير قياساً بما يمنحه المحسنون للسائلين ..!!

-2-

وقد ذكر التاريخ أيضاً :

ان رجلاً سأل عبد الملك بن مروان فقال له :

“سَلْ الله تعالى “

فقال الاعرابي :

” قد سألتُه فأحالني عليك “

فضحك وأعطاه .

وهنا كان السائل ذكيّاً أيضا فقد أفْحَمَ السلطان واضطره الى ان يعطيه .

انَّ ( عبد الملك ) كان موصوفاً بالبخل حتى لُقّبَ بِرَشْحِ الحجارة .

انّ صفة البخل من أرذل الصفات وأكثرها خسة ودناءة .

وهي قبيحة مستهجنة من كل أحد ، ولكنها تستهجن وتقبح بشكل أكبر من المسؤولين ..!!

وقد ابتلي العراق الجديد بمن لا يتورع عن القرصنة لاختلاس الاموال والامتيازات والمكاسب على حساب الضعفاء والفقراء والبائسين فأصحبت الهوة عميقة بين المواطن والمسؤول .

وهنا تكمن الطامة ..

-3-

وقيل :

انّ امرأة لقيت المهلّب وقد قدم من الحرب فقالت :

أيها الأمير :

اني نذرتُ إنْ وافيتَ سالماً :

انْ أقبّل يدك ،

وأصوم يوما ،

وتهب لي جارية سندية ،

وثلاثمائة درهم

فضحك المهلّب وقال :

قد وفينا لك بنذرك فلا تعاودي مثله ، فليس كل أحدٍ يفي لك

وهكذا كان النذر المزعوم وسيلة المرأة السائلة لتحصيل ما أرادت تحصيله من المهلّب .

أرايت كيف غلّفت (السؤال) ببرقع النذر ؟

وما ذلك الا بسبب ذكائها وفطنتها .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة