ضحك على الذقون!

د. محمد فلحي
الحياة كانت توصف بأنها مسرحية ثم اصبحت فلم اكشن ، ولكنها اليوم  مجرد مقطع يوتيوب!
 في حادثة حقيقية أو متخيلة أو مفتعلة، تقف سيارة الأجرة،وسط المدينة، فينزل منها راكبان شابان ويهربان،دون دفع الأجرة للسائق الذي ينزل مذهولا ويصرخ ويلطم وسط الشارع،فيتجمع حوله الناس، ويخبرهم بهروب الراكبين، وأن هذه(التاكسي) ليست سيارته وهو مجرد سائق أجير،يتعاطف معه المارة ويتبرعون له  بمبالغ تعادل عشرة اضعاف الأجرة، فيضع الدنانير في جيبه، ويبتسم، ويركب سيارته،ثم يتصل بصديقيه الهاربين ويطلب منهما انتظاره عند الشارع الآخر، من أجل اعادة تمثيل المشهد نفسه، وكسب المزيد من النقود من جيوب المتبرعين الطيبين الذين يصدقون كل ما يشاهدون على قارعة الطريق، ولا يتأخرون في مساعدة المحتاجين!
في نهاية الاسبوع، يذهب السائق الى مالك السيارة لتسليمه حصته الاسبوعية ومقدارها مائة دولار فقط، يضحك المالك، ويقول؛
كلا يا صديقي، المبلغ  المطلوب الف دولار، فقد انكشفت اللعبة، واخبرني صديقي  الشرطي بتفاصيل مسرحيتكم اليومية المتكررة وحصادكم الوفير من جيوب المتصدقين الساذجين!
يصاب السائق بالصدمة، ويتساءل بجنون:أي شرطي!؟..ولماذا لم يعتقلنا!؟
يجيبه المالك: لم يعتقلكم لأنه صديقي ويعرف رقم سيارتي،وعندما خابرني حول وجود فيديوات مصورة لكل عمليات النصب التي نفذتموها رجوته أن ان لا يلقي القبض عليكم وسوف اعالج الأمر بنفسي !
يتوجب عليك يا ولدي السائق ان تدفع الف دولار ..هل فهمت!
واصل كلامه: اذا رفضت سوف اتصل بالشرطي ويأخذك للسجن فورا!
دفع السائق ألف دولار، ثم سأل المالك: هل نستمر ام نتوقف عن التمثيل!؟
أشار المالك برأسه موافقا وخرج السائق فرحا!
اتصل المالك بأحد الراكبين الممثلين وطلب منه الحضور لاستلام  مائة دولار ثمن وشايته!
اذا لم تدرك مغزى الحكاية سوف نرويها بعدسة مكبرة ومقربة(زوم) ومن زاوية اخرى،يراجع المواطن دائرة الخدمات لإكمال معاملته، فيطلب منه الموظف رشوة، يمتنع ويشتكي عند المدير، فيستقبله باحترام، ويوبخ الموظف أمامه، يبتهج المواطن لكن  الموظف الاخر يخبره ان معاملته فقدت وعليه تقديم طلب جديد ودفع رسوم مضاعفة!
يظهر المواطن في احدى القنوات غاضبا ويفضح الموظف والمدير، يشاهد الوزير البرنامج ويتصل بالمدير الذي يخبره ان هذا الاتهام عار عن الصحة،ويضحكان معا!
فيديوات وأفلام حقيقية ومصطنعة ومقطعة ترسم مسار حياتنا ،خطابات،حوارات،تمثيليات،أغاني مثل (صمون  عشرة بألف)!
يغفو الرجل وقبل أن يحلم  ويسقط الهاتف من يده ويتحطم فيفز مرعوبا، وهو يصيح:
موطني موطني!

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة