حضور عربي خجول يكشف )حجم الخلاف) بشأن ليبيا

اجتماع طرابلس التمهيدي..

متابعة ـ الصباح الجديد:

قاطعت دول عربية عدة اجتماعا استضافته الحكومة الليبية المعترف بها من جانب الأمم المتحدة، في طرابلس، ما أثار الحديث عن “خلافات وانقسامات” داخل جامعة الدول العربية، ووجود معسكرين يدعم كل واحد منهما أحد أطراف الأزمة الليبية.
وأوفدت خمس دول فقط من أصل 22 بلدا عضوا في جامعة الدول العربية، وزراءها، وغاب أيضا عن الاجتماع الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط، وفقا لـ”فرانس برس”.
ومصر والسعودية والإمارات هي الدول العربية الرئيسية التي غابت بشكل كامل عن “الاجتماع التمهيدي” لاجتماع آخر سيعقده وزراء خارجية الدول العربية في القاهرة.
وخفضت أربع دول أخرى مستوى تمثيلها إلى مستوى وزراء الدولة، مثل قطر.
وحضر الاجتماع وزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية الليبية، نجلاء المنقوش، ووزراء خارجية تونس والجزائر والسودان وجزر القمر وفلسطين.
وفي افتتاح “الاجتماع التشاوري”، استنكرت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، ما أسمته “محاولات البعض كسر إرادة الليبيين لتحويل التضامن العربي إلى حقيقة”.
وأكدت المنقوش على أن ليبيا التي تتولى الرئاسة الدورية للجامعة، “مصممة على لعب دورها بالكامل داخل جامعة الدول العربية” و”ترفض تسييس المواثيق التأسيسية للجامعة”.
على جانب آخر، شكر رئيس الحكومة المنافسة، فتحي باشاغا، مصر والسعودية والإمارات على “امتناعهم عن المشاركة في المسرحية التي حاولت الحكومة المنتهية الولاية تسويقها”.
وحض عبر تويتر جارتي ليبيا، الجزائر وتونس، الممثلتين بوزيرَي خارجيتهما في الاجتماع، على “إعادة النظر في سياساتهما الخارجية تجاه ليبيا، وأن لا تنجرا وراء أهواء حكومة انتهت ولايتها القانونية والإدارية”.
وانزلقت ليبيا في حالة من الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، مع ظهور سلطتين متنافسين وانتشار عدد كبير من المجموعات المسلحة في أنحاء البلاد، حسب “فرانس برس”.

أسباب الغياب؟
يرى مساعد وزير الخارجية المصري السابق، السفير جمال بيومي، أن غياب غالبية الدول العربية عن الاجتماع التمهيدي جاء نتيجة رفضها “الانقسام الداخلي الليبي”.
ويقول إن جامعة الدول العربية لا تريد “تأصيل الانقسام الليبي” بعدما دعا للاجتماع جانب واحد من السلطات الليبية “لا يحظى بتوافق جميع الليبيين”.
ويشير إلى أن الغياب العربي “إيجابي” لتشجيع الأطراف الليبية على “نبذ القبلية” والعودة إلى ليبيا الموحدة تحت علم واحد وتشكيل حكومة تحظى بتوافق الجميع.
والمقاطعة كانت “مهمة” حتى لا ينفرد طرف واحد بالحكم في ليبيا، ولتشجيع إجراء “انتخابات حرة نزيهة” لاختيار حكومة “تمثل كل الليبيين”، وفقا لبيومي.
وحسب حديثه، فإن “جامعة الدول العربية مثلها مثل المنظمات الدولية كالأمم المتحدة تمثل انعكاسا لمواقف أعضائها”.
ويقول إن “المنظمة ليس لها سياسة مستقلة لكنها تمثل مرآة لسياسات الأعضاء”، مشيرا إلى أن “دور جامعة الدول العربية تنظيمي مؤسسي وليس سياسيا مستقلا”.

انقسام داخل جامعة الدول العربية؟
منذ عام 2011، لم تنعم ليبيا بقدر يذكر من السلام، وانقسمت البلاد في عام 2014 بين فصائل متناحرة في الشرق والغرب.
ويشير الخبير في شؤون الشرق الأوسط، فادي عيد، إلى أن “الخلاف الداخلي الليبي” قد انتقل إلى دول المنطقة وتسبب في انقسام الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية.
ويقول عيد إن “الانقسام حول الاجتماع يظهر حجم الخلاف العربي- العربي حول أزمة ليبيا”.
على جانب آخر، ينفي الخبير الاستراتيجي، عبدالقادر سليماني، وجود “خلافات وانقسامات داخل جامعة الدول العربية بشأن الأزمة الليبية”.
ويوضح أن الاجتماع كان “تشاوريا تمهيديا”، دعت إليه الحكومة الليبية الشرعية المعترف بها من جانب الأمم المتحدة، وبحضور المبعوث الأممي، عبدالله باتيلي، وممثلون عن الاتحاد الأفريقي.
وجاء غياب الأمين العام لجامعة الدول العربية عن الاجتماع، ومقاطعة دول مثل السعودية ومصر والإمارات للاجتماع بسبب امتلاكها “نظرة وحلولا خاصة بها”، وفقا لسليماني.

حكومتان ومعسكران
تعاني ليبيا من الانقسامات والصراع السياسي، وتتنافس فيها حكومتان على السلطة، واحدة مقرها طرابلس (غرب) برئاسة عبد الحميد الدبيبة منذ مطلع عام 2021، وأخرى برئاسة فتحي باشاغا، وعينها مجلس النواب في مارس الماضي ويدعمها المشير خليفة حفتر، وفقا لـ”فرانس برس”.
وتم تشكيل حكومة الدبيبة عبر عملية مدعومة من الأمم المتحدة في عام 2021 في إطار خطة سلام، لكن إدارته لم تعد تحظى باعتراف الفصائل السياسية الرئيسية في الشرق، وفقا لـ”رويترز”.
وخلال السنوات الماضية، غرقت ليبيا في الفوضى وانتشر عدد كبير من الجماعات المسلحة والمرتزقة الأجانب في كافة أنحاء البلاد على وقع تدخل أجنبي من جانب دول عربية وكذلك تركيا وروسيا ودول غربية.
ووفقا لعيد، فإن ليبيا ساحة صراع بين محورين إقليميين، يدعم أحدهما حكومة باشاغا ويتكون من مصر والسعودية والإمارات ومعهم فرنسا، بينما يدعم المحور الثاني حكومة الدبيبة ويضم الجزائر وقطر ومعهم بريطانيا وإيطاليا وتركيا.
ودعمت موسكو قوات حفتر في الحرب على مدى عامي 2019 و2020، حيث نشرت مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة ما يصل إلى 1200 جندي في ليبيا، بحسب تقرير صادر عن خبراء بالأمم المتحدة عام 2020.
ويقول عيد إن ليبيا تمثل “منتصف شمال أفريقيا” ولذلك يتصارع المعسكر الداعم لحكومة الدبيبة ونظيره الداعم لحكومة باشاغا على بسط “النفوذ بالداخل الليبي”.
ومن يستطيع السيطرة على “ليبيا كاملة” سوف يتحكم في مصير شمال أفريقيا بالكامل، وفقا لرأي عيد.
من جانبه يؤكد سليماني إن أمن المنطقة بأكملها يربط باستقرار الأوضاع في ليبيا، مشيرا إلى “أهمية إعادة الأمن للداخل الليبي عبر العملية السياسية”.

أسباب الخلاف؟
يرى عيد أن غياب القاهرة والرياض وأبوظبي عن الاجتماع جاء نتيجة رفضهم “الإجراءات التي تقوم بها حكومة الدبيبة والتي تهدد أمن واستقرار المنطقة”.
ويؤكد عيد أن حكومة الدبيبة “غير منتخبة ومنتهية ولايتها منذ سنوات ولا تمثل أيا من الشعب الليبي ولا تمتلك أي صلاحيات”.
وحسب حديث عيد، فإن غالبية الدول العربية تتعامل مع حكومة الدبيبة على أنها “كيان وهمي” غير معترف به.
ويقول إن من الطبيعي حضور الجزائر لاجتماع تدعو إليه حكومة الدبيبة بحثا عن تحقيق مصالحها في ليبيا “وحتى لا يمتد نفوذ مصر والسعودية والإمارات إلى حدودها”.
ويرى أن حكومة الدبيبة تحقق مصالح الجزائر في منطقة الشرق الأوسط، ولذلك فهي تدعمها وتحاول فرضها على الدول العربية الأخرى.
لكن سليماني يرفض ذلك الطرح، ويؤكد أن الجزائر حضرت الاجتماع بناء على طلب حكومة معترف بها دوليا، وبحضور ممثلين عن الاتحاد الإفريقي والمبعوث الخاص بالأمم المتحدة، متسائلا “إذا كان كل هؤلاء غير شرعيين فمن هو الشرعي”؟
ويشير إلى أن الجزائر تلتزم بالشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتدعم الحلول السياسية ولا تتدخل في الشأن الداخلي الليبي.
و”ترى الجزائر أن هناك حكومة شرعية واحدة في ليبيا، وترفض تدخل أي طرف عربي أو أجنبي في الشأن الداخلي الليبي”، وفقا لحديث سليماني.
وفي حال عدم وجود حكومة جديدة، فإن الجزائر لا تعترف سوى بالحكومة الحالية والمعترف بها من المجتمع الدولي، ومن يرى غير ذلك فهذا شأنه، على حد قول سليماني.

خطوط حمراء
يتحدث سليماني عن دعم “السعودية ومصر والإمارات حكومة باشاغا غير المعترف بها دوليا، وتحالفهم مع حفتر، ورغبتهم في إزاحة حكومة الدبيبة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة”.
ويتسأل مستنكرا “ماذا تريد مصر والإمارات والسعودية، هل تريد التخلص من حكومة معترف بها دوليا، وفرض شخص آخر على ليبيا والمجتمع الدولي؟!”.
ويقول إن “طرابلس خط أحمر بالنسبة للجزائر، التي لا تريد سوريا أخرى منقسمة وغير موحدة وبيها مليشيات أجنبية على حدودها”.
وتريد الجزائر تجنب حدوث “فراغ سياسي وأمني” في ليبيا، ما قد يقود البلاد “إلى ما لا تحمد عقباه”، وفقا لحديثه.
على جانب آخر، يؤكد عيد أن المعسكر “المصري السعودي الإماراتي يدعم استقرار ليبيا”، متحدثا عن تأييدهم لإجراء حوار سياسي ليبي مشترك “دون تدخل من أطراف أخرى خارجية تبحث عن مصالحها فقط”.
ويشير إلى معاناة القاهرة على وجه خاص من “مغبة الانقسام الداخلي الليبي وتأثير ذلك على حدودها الغربية”.
ويقول عيد إن “مدينتي سرت والجفرة خط أحمر بالنسبة لمصر” لحماية أمنها الحدودي والقومي.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة