التنمر في العالم العربي.. مدمر خفي لمجتمعات تتواطأ مع بعض أنواعه

متابعة ـ الصباح الجديد:
شخصت منظمة اليونسيف لرعاية الطفولة في آخر تقاريرها، إن حالات العنف ضد الاطفال من قبل ذويهم ومقدمي الرعاية لهم ازدادت منذ بداية انتشار كورونا
قبل يومين، توفيت الشابة المصرية رودينا أسامة بأزمة قلبية قد تكون ناتجة عن تعرضها لـ”التنمر”، كما تقول وسائل إعلام مصرية.
قبل وفاتها، تعرضت رودينا كما يبدو لأزمة نفسية بعد تلقيها ملاحظات قاسية من قبل زميلاتها في إحدى المدارس في منطقة الهرم بالجيزة.
الملاحظات انتقدت شكل رودينا، وكذلك مستواها الاجتماعي، وظهر منها، بحسب الصحيفة، أن الفتيات قمن بعزل رويدا اجتماعيا عنهن.

ما هو التنمر؟
يعرف “المركز الوطني ضد التنمر” الأميركي هذا السلوك بأنه “سوء استخدام مستمر ومتعمد للسلطة في العلاقات من خلال السلوك اللفظي والجسدي و/أو الاجتماعي المتكرر الذي يهدف إلى التسبب في ضرر جسدي أو نفسي أو اجتماعي”.
ويذكر المركز إن يكون المتنمر فردا أو مجموعة تسيء استخدام “سلطتها أو السلطة المتصورة” على “شخص واحد أو أكثر يشعر بعدم القدرة على منع الإساءة من الحدوث”.
ويقول المركز إن هناك العديد من أنواع التنمر “بعضها واضح بينما يمكن أن يكون البعض الآخر أقل بروزا”، من التنمر الجسدي، الذي يشمل الإساءات الجسدية مهما كانت، أو إتلاف الممتلكات.
والتنمر اللفظي الذي يشمل التنابز بالألقاب، أو الإهانات، أو المضايقة، أو التخويف، أو الملاحظات المعادية للتوجه الجنسي أو العنصرية أو الإساءة اللفظية.
أما النوع الثالث من التنمر فهو “التنمر الاجتماعي” الذي يقول الموقع إنه غالبا ما يكون من الصعب التعرف عليه، ويمكن تنفيذه خلف ظهر الشخص الذي يتعرض للتنمر.
ويمكن أن يشمل التنمر الاجتماعي الكذب ونشر الشائعات، والنكات المعدة للإحراج والإذلال، وحتى المحاكاة، أو إيماءات الوجه، أو الإيماءات الجسدية السلبية، أو النظرات التهديدية، أو المحتقرة.
كما يعرف المركز التنمر الإلكتروني بأنه الضرر المتعمد والمتكرر الذي يلحق باستخدام أجهزة الكمبيوتر والهواتف والأجهزة الإلكترونية الأخرى.

تعريف التنمر عربيا
لا تمتلك أغلب الدول العربية تشريعات خاصة لمواجهة التنمر أو تعريفات واضحة له، لكن بعض الدول، مثل العراق، كيفت مواد قانونية في قانون العقوبات لتشمل جرائم التنمر والتنمر الإليكتروني.
في المقابل، شرعت مصر عام 2020 تعديلا على قانون العقوبات وصف جريمة التنمر بشكل واضح.
وتعرف المادة 309 من قانون العقوبات المصري مفهوم التنمر على أنه كل قول أو استعراض قوة أو سيطرة للجاني أو استغلال ضعف المجني عليه، أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسيء للمجني عليه، كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي، بقصد تخويف المجني عليه أو وضعه موضع السخرية أو الحط من شأنه أو إقصائه من محيطه الاجتماعي.
ويقول اليونيسيف إن هناك ثلاثة معايير تحدد كون السلوك متنمرا، هي التعمد، والتكرار، واختلال ميزان القوة بين الطرفين. لكن البلدان العربية لا تزال بحاجة إلى كثير كما يبدو على طريق مكافحة التنمر.
يقول د. واثق صادق، وهو أكاديمي عراقي متخصص ببحوث المجتمع، إن السعي إلى حل مشكلة التنمر، “مازال سعياً خجولاً، إذ إن وضع حلول جزئية، يبقى أمرا قاصرا، وغير ذي أهمية، ولا يعول على إتيانه بنتائج حقيقية مرجوة”.
ويربط صادق بين الوضع الاقتصادي المتردي في بلدان مثل العراق، وتزايد مشاكل التنمر بين التلاميذ إلى درجة إنه “لا يكفي إيجاد باحثين اجتماعيين ومرشدين تربويين في المدارس لمعالجة مشكلات التنمر بين التلاميذ”.
ويضيف “نحن نحتاج إلى ثورة تنموية حقيقية تمس جميع القطاعات المهمة في جسد المجتمع العراقي، لكي تعمل بشكل حقيقي على معالجة جذور الأزمات، والمشكلات، والظواهر”.
ويرجع صادق التنمر إلى كونه “ردّ فعل عنفيا عن بيئة قلقة غير مستقرة، يتعرض فيها الفرد، لاسيما الطفل على وجه الخصوص، إلى كثير من التعنيف، أو عدم الاستقرار الأسري، وكثرة المشكلات في المحيط العائلي، في جو يغيب فيه الحوار بين الأطراف داخل الأسرة الواحدة”.
ويضيف أن هذا “يراكم المشاعر السلبية في داخل الطفل، لتدفعه بعد ذلك إلى انتهاج سلوك عدواني، قد يرافقه العنف، خلال ممارسته التنمر على أقرانه أو زملائه أو جيرانه، ممن يجد فيهم عدم قدرة على الرد، فيبدأ بتفريغ شحناته الداخلية السلبية الناتجة عن قلق البيئة الأسرية، وهنا يكون طرفا العلاقة، القائم بالتنمر والمُتنمر عليه، طرفين يواجهان مشكلات نفسية واضطرابات سلوكية، من تردد وخوف وقلق واكتئاب يدفع بكليهما إلى التأزم النفسي أكثر”.
ويقول المرشد التربوي ، الاجتماعي محمد شكر شاكر، إن المفتاح الأساسي للوقاية من التنمر في المجتمع المدرسي هو خلق بيئة يكون فيها التنمر غير مقبول ودعم ذلك”.
ويضيف شاكر إنه يجب وضع سياسة مكافحة التنمر في المدرسة بالتعاون مع مجتمع المدرسة بأكمله، على أن تشتمل السياسة على تعريف واضح للتنمر وتصريحات وتوكيدات واضحة بأن التنمر غير مقبول وإجراءات إبلاغ عن حالات التنمر وخططا توعوية.

التنمر يعاني منه الكبار أيضا
تصف الممثلة المصرية حورية فرغلي لقناة تلفزيونية محلية معاناتها من التنمر الذي رافقها بعد إصابتها بحادث سيارة أدى إلى تغيير في شكلها.
وتقول منظمة “أوقفوا التنمر” الحكومية الأميركية إن التنمر يمكن أن يؤدي إلى الصدمة، التي قد تؤدي إلى الإجهاد الناتج عن الصدمة”، وأعراض مثل “كوابيس أو نوبات القلق أو صعوبة التركيز”.
كما تقول إن “الأطفال في المدارس المتوسطة والثانوية يمكن أن يظهروا علامات الاكتئاب أو الانخراط في سلوكيات إيذاء النفس.
ومن المرجح أن يعاني الناجون من صدمات الأطفال من مشاكل أكاديمية أو مشاكل سلوكية تؤدي إلى دخول السجن.
من غير المؤكد إن كان للأزمة القلبية التي أصابت الشابة المصرية رودينا أسامة علاقة مباشرة أو ناتجة عن التنمر، لكن الفتاة البالغة من العمر 16 عاما لم تكن تعاني من أمراض القلب.
وتنقل صحيفة المصري اليوم عن أفراد من عائلتها قولهم إن المتوفية خرجت من المدرسة وهي “في حالة انهيار تامة” وتوفيت بينما كانت تروي الحادث لشقيقتها باكية.
ويقول والدها للصحيفة إن ابنته المتفوقة دراسيا، كانت تعاني من “تنمر” زميلاتها المستمر.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة