الانتثار!

ليس في حقل الشعر وحده او قصيدة النثر حصرا بل في حقول و مجالات كثر حدث و يحدث اننا لا ننتبه لما نملك الا بتحريض الاخر ، لا نقرأ موروثنا قراءة فاحصة الا بدلالة حركة او مذهب فني نتلقاه من الثقافة الغربية ثم نبحث بغرض تأصيله عما يشاكله في ثقافتنا العربية و الامثلة كثيرة ، اطلاعنا على السريالية كان الحافز لقراءة التصوف الاسلامي و الغوص في البنيويات حرضنا لمراجعة الجرجاني وغيره من النقاد العرب ، بالطبع هذا المنحى خطير وله اكثر من دلالة لعل أبسطها كسلنا المعرفي الذي يقف عائقا بيننا و بين اشارات و شذرات تصلح ان تكون منطلقا لأفكار جديدة ومذاهب في الفكر و الادب و الفن، الامر ذاته حصل مع قصيدة النثر التي انشغل النقاد طويلا بالوقوف على عتبة المصطلح المركب ( قصيدة نثر ) فمنهم من قبلها كما هي و منهم من تحفّظ على التسمية وما يزال الجدل قائما في المحافل النقدية حول معنى و جذور هذا النوع من الكتابة الشعرية ولا ننسى ان التقليديين يرفضون نسبته الى الشعر بالمرة لان فكرة الشعر عندهم لا يمكن ان تستقيم بلا بحور الخليل و قوافيه ! الى وقت قريب و نحن نتداول كتاب سوزان برنار ( قصيدة النثر من بودلير لأيامنا ) باعتباره المصدر الاكثر اهمية بهذا الصدد فلا تخلو دراسة نقدية من اشارة الى هذا الكتاب او سواه من الكتب التي انطلقت منه و على غراره حتى ساد ما يشبه الإجماع بأن مراجع هذه القصيدة ( قصيدة النثر ) غربية بالمرة و ليس في تراثنا ما يشاكلها سوى بعض النثر الصوفي الذي دسّ شحنات شعرية عالية في مفاصل الكتابة النثرية حتى صارت على غرار و بدرجة الشعر لكنها بقيت تصنف في خانة النثر لان لا شعر بلا وزن و عروض ، ترى كيف نسينا او أهملنا اشارات باذخة على هذا الصعيد من قبيل تعبير ( الانتثار ) الذي اجترحه ابو الحيان التوحيدي في كتابه ( الامتاع و المؤانسة ) ؟ يقول التوحيدي ( أعذب الكلام ما كان نظما في ظل نثر و نثرا في ظل نظم ).. أليست مثل هذه الاشارة المختصرة تقدم لنا فكرة واضحة عن كتابة الشعر نثرا وعن النثر المشحون شعريا ؟ أظن ان ما لخصه التوحيدي يختصر الكثير من الجدل الذي دار حول امكانية مجاورة الشعر للنثر كما انه يمثل ومضة نقدية صادرة عن عقل مفكر له ثقله في موروثنا المعرفي ، الامر ذاته حصل كثيرا مع مقولات الجرجاني في المجاز الذي أهملناه لنرّكز اهتمامنا على انزياح ( كوهين ) الذي أطلنا البحث بل و الانبهار فيه ! الامر الذي يدعو الى مراجعة شهوة الانبهار بالآخر و إغماض العين عما امامنا ..
جمال جاسم أمين

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة