المرأة رائية في لائحة بأسماء الملائكة

عبد الغفار العطوي

أصدرت القاصة العراقية خولة جاسم الناهي مجموعتها القصصية الاولى ( لائحة بأسماء الملائكة ) (1) وقد اهتمت بالمرأة التي وضعت إصبعها على نقطة التفاوت بينها و بين الرجل فيما يتعلق بالبيئة و ما أصاب العالم من دمار و خراب سببه انتهاكات الرجل للطبيعة ، إذا علمنا ان النسوية في حركتها نحو تأنيث العلم و شل ذكوريته أخذت الجانب البيئي ، في اظهار ان مطاعن الرجل في الطبيعة من حروب و دمار و قتل و انتهاك لفطرية العالم يقابله إرساء معالم السلام و المحبة والاخضرار بالنسبة لها ، فالمرأة التي عرفت منذ القدم رفضها لتخريب الرجل و منهجيته في هيمنته الذكورية بصنع عالم الرجل ما فتأت تقف بالضد من افعاله ،و ادبيات النسوية رصدت تلك الاكراهات الذكورية ، و قاومتها عبر كفاحها المرير للحد من غلواء الرجل ، القاصة العراقية خولة جاسم الناهي في مجموعتها القصصية هذه ( لائحة بأسماء الملائكة)تستعرض نماذج للمرأة البصرية التي اتخذت الجانب السلبي في انتهاك الرجل لبيئة البصرة ذات الطبيعة الريفية الخلابة ، المرأة الرائية للتدهور الحاصل في مدينتها ، من جروب طاحنة و نلوث فظيع ، التي كانت الفعل الرافض لكنه المضمر لحماقات الرجل ، القاصة تصورت ان المرأة يمكن ان تقدم رؤيتها و هي تقف في الظل ، ظل الرجل لكنها فاعلة في الخفاء، وإن أصرت الكاتبة على ان تقدم المرأة البصرية الرائية ، في مدى المعاناة و المصاعب التي نكلت بها و القت بأحلامها في حضيض الرجل و تصرفاته غير المسؤولة ، و في مقدمة تلك النسوة الكاتبة حيث لا نبرئ ساحتها من نمذجة الواقع بمقياس وعيها و تبنيها لثقافة التلوث بمكافحته ، و رمي الرجل بتهم اشاعة فوضى التلوث
1. يومئ القاص العراقي محمد سهيل احمد الى القاصة باعتبارها المفاجأة في تقديمها للقراء التي تؤشر على بروزها بالمقدرة المطلوبة التي تستوفي شروط القص، وهي إشارة فطنة وناجحة من قبل القاص للإمكانات التي ستدفع بها القاصة خولة جاسم الناهي في المشهدية القصصية ، و فرز مفاعيل المرأة الايجابية قياسا لمفاعيل الرجل السلبية حيث نلحظ أن القاصة هنا تؤكد على ان مفاعيل المرأة لا تتعلق في فعل الاداء التفاعلي مع الصدمات التي يفتعلها الرجل و هو يلوث البيئة المحلية بإشعاله للحروب و تداعياتها و نتائجها، إنما في خط الصد و امتصاص الضربة الموجهة لهدر البيئة و فض بكارتها و فطريتها. صحيح ان صوت القاصة كان عاليا، و هيمنتها مطلقة، إلا إننا نستطيع القول إن استقلالية المرأة الورقية ظل حاضرا يلح ، جنى في القصص التي انيطت بطولتها للرجل، و هذه ميزة جيدة في أن يكون دور المرأة متعددا في زوايا النظر تبعا للموقعية التي تحتلها المرأة سواء أكانت القاصة او الراوية او البطلة المطلقة او المهمشة او حتى الغائبة ، المهم ان ترى التحولات الفظيعة للطبيعة من الملامح الجمالية الى التضاريس القبحية من مواقعها المختلفة و زواياها المتفاوتة، و لعل ادراك القاصة بالذات لذلك القبح هو جزء من تجارب المرأة البصرية، لذلك بات من الصعب الفصل بين تجربة الكاتبة و نسوتها في ظل بيئة و مطارح ضيقة (من مركز مدينة البصرة | العشار الى الحدود الدولية العراقية الايرانية انتهاء بخرمشهر اول واقرب مدينة ايرانية ) و لم تستطع تجاوزه او للفكاك منه ، فجاءت سذاجة المرأة على حساب حساسيتها في هذه القصص(2)
2- القصة الاولى ( لائحة بأسماء الملائكة ص3) يمكن اعتبارها مانيفستو الصراع بين الذكورة الملوثة للبيئة بإشعال الحروب المتواصلة و القتل المجاني ، لعدوين غير منظورين ، وبين النسوية الهادفة الى اطفاء الحرائق ، و لأن الكفتين غير متعادلتين بينهما ، توارت الكاتبة خلف الراوي ، و النتيجة تصور ان الرجل إن أراد تلويث البيئة تضرج هو اولا، عبر جيلين من الشهداء الذكور ( الطفل المختبئ من القصف عبر الحدود الايرانية، و الاستاذ الذي كان بالأمس طفلا لكن مع بقاء الطقس الوحشي الذكوري المخيف المتحول الى الجهة الثانية ، بينما تصور الكاتبة بالبنط الاسود القاتم زوبعة التلوث للبيئة كأنها انثى تتعرض للهتك ، و يميل التبرير الذكوري لهذا الخراب بمسحة الدين كمهرب الى عالم فنتازي مزيف ، و في ( مصنوع من زجاج ص7) تبتدأ القاصة بإنتاج مواضعاتها مع عالم ذكوري قد مارس تلويثه للبيئة و انزوى حيث تتقدم الراوية البطلة العاملة بمفاعيلها في فحص الخراب إذ النهر الذي اصبح قذرا مؤخرا بعد ان امتلأ بالنفايات و المجاري ، احست بأن هذه البيئة غير صحية و مكانا غير ملائم للعيش ، لكن المرأة ترى ان التلوث الذكوري اكبر من موقعي الكاتبة والبطلة ، من حركة المركبات و خطورتها تعكس أزمتها في العمل و التشيؤ الذي يذكرها بديناصورات الافلام الخيالية ،لكن الموقف السلبي لها يعتمد على استهانة الرجل بانثويتها في اخماد زوجها لحريق المولدة ، في ( النهار يبدأ متأخرا ص 9 )الكاتبة توضح ان بطلتها تتجمل أعباء الحياة و شظفها وحدها في العالم فلا احد بالمنزل ينتظرها فهي قد تركت زوجها و ابنها بالمستشفى ، لتواجه رعب فكرة موت زوجها و هجرة ابنها الاكبر مع خاله و عزم التحاق الابن الاصغر معهما ، ان المرأة التي ترى كل هذا الخراب تدرك قبح الفعل الذي يرتكبه الرجل ، و في ( حكاية ما قبل النوم ص 11)تهتم الكاتبة بالعالم الملوث، من خلال سرد حكاية واقعية للأطفال بعد نفاد كل الحكايات الخيالية من قبل نسوة الجدة و الام و الحفيدة ( خاتم الفضة) و الاخيرة تبين ان الخاتم بات رمزا و ايقونة للجوع المستشري في البلد ، و تدفع القاصة ببطلاتها الى عالم و بيئة ملوثة بالحروب و المجاعات و الانفجارات صنعه الرجل و اتكأ على مخزونه الثقافي الذكوري، تاركا للأنثى المعاناة في ( أضواء خرم شهر ص 17)تتعالى اكراهات الرجل في صناعة الحروب و الاقتناع بانها كانت كنزهة و طواف ، فالرجل البطل يزور خرم شهر الايرانية ثلاث مرات في الزيارة الثالثة يدخلها سائحا و محملا بالهدايا من والى الاقارب و المعارف، بينما المدينة تستقبله بحب و حفاوة و ترحاب يليق بالأهل و الاصدقاء، وهذه القصة تتناول الجانب المأساوي للقتال الضاري بين العراق و ايران، و الخاتمة الدراماتيكية التي ساهم الرجل في خلق بيئة ملوثة.

(1)لائحة بأسماء الملائكة خولة جاسم الناهي قصص الطبعة الاولى 2013 شركة الغدير للطباعة البصرة.
(2) انظر باموك اورهان الروائي الساذج و الحساس ترجمة ميادة خليل.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة