فوزي عبد الرحيم السعداوي
-1-
من أسهل الامور في الحياة السياسية العراقية اتهام المختلف بالعمالة ..لقد ذهب الالاف من العراقيين ضحايا هذه الكلمة في زمن البعث المديد فهل تقدم هذه الكلمة تفسيرا للأحداث وإجابات على الأسئلة المطروحة..ان العمالة كحالة فردية موجودة وهي لا تقدم اي إجابات او تفسيرات للأحداث كما ان من النادر وجود كيانات عميلة..
ان الموضوع هنا مكرس لحزب البعث وبحث فكرة العمالة وتأثيرها على سياساته، فهذا الحزب الذي مثل عند نشأته فئة اجتماعية قبل أن يتحول الى منظمة غامضة تمتهن القتل السياسي كما وضحت في منشور سابق..منذ تأسيسه اوائل الخمسينات وحتى حدوث ثورة ١٤ تموز كان سلوك هذا الحزب منسجما مع افكاره وشعاراته وتركيبته الاجتماعية
لكن وكما فضلنا في منشور سابق حدثت تغييرات كبيرة في الحزب من حيث الحجم والتركيبة الاجتماعية والتنظيم لكن ذلك بقى ضمن تفسيرات سياسية معقولة لكن وبعد سنين من ممارسة القتل غير المبرر سياسيا او فكريا وتغير البنية التنظيمية بشكل جذري وانقطاع العلاقة مع الاهداف والشعارات التي قام تحت يافطتها الحزب فاصبح من الواجب البحث عن تفسيرات اخرى حيث قدمنا في منشور سابق تفسيرا لذلك والآن نحاول أن نختبر تفسيرا إخر يتعلق بدور العمالة في تفسير الاحداث…كما ذكرت سابقا فان العمالة الفردية لايمكن ان تتخذ دليلا لتفسير سياسة حركة سياسية والمقصود بالعمالة الفردية هي بعض الحالات المتفرقة لأفراد داخل المنظومة الحزبية يرتبطون بجهة اجنبية دون ان يكون هناك ارتباط بينهم أو بجهة مركزية داخل الحزب.
لقد جاء انقلاب ٨ شباط بعد سلسلة تطورات سياسية واقتصادية جعلت منه حدثا في سياق الصراع بين الغرب ومصالحه النفطية وحكومة بغداد الوطنية خصوصا بعد تواتر تواتر الأنباء والتقارير عن تدخل اميركي ودعم للانقلابيين…لكن ما لفت الانتباه بشكل جدي هو تصريحات بعض القيادات البعثية بعد انفراط عقد انقلاب ٨ شباط وكان ابرز هذه التصريحات هو ما قاله امين سر القطر السابق علي صالح السعدي عن ان البعثيين جاءوا في ٨ شباط بقطار اميركي..بعد ذلك وعلى خلفية انشقاق حزب البعث توالت الاتهامات التي طالت اشخاص محددين في الحزب ظلت تلاحقهم شبهة العمالة داخل وخارج الحزب..وهنا وساورد امثلة مهمة وذات مصداقية عن قيادات بعثية متهمة كي نتمكن من الحصول على خلاصات معقولة…
من اوائل القيادات البعثية التي وجهت لها أصابع الاتهام بالعمالة لجهة اجنبية هو صالح مهدي عماش الذي عمل ضابطا في الاستخبارات العراقية في العهد الملكي ..في العام ١٩٥٧ كان مدير مصرف الرافدين في عمان هو سليم الصفار الذي يقول انه استلم اشعارا بوجود حوالة من الولايات المتحدة ب ١٠٠،٠٠٠(لم يذكر أن كانت دولار ام دينار)ولكنها في كل الاحوال مبلغ كبير بمقاييس تلك الأيام..حيث يقول الصفار ان هكذا مبالغ لا تأتي إلا لأفراد من عوائل معروفة لكن اسم المحول له لم يكن شخصا معروفا وهو صالح مهدي عماش.
-2-
سليم الصفار كان متعاطفا مع الشيوعيين لكنه لم يكن عضوا في حزبهم،وقد كان يستغل موقعه الوظيفي المرموق لخدمة هذا الحزب حيث كان يملك جواز سفر دبلوماسي يمنح لمن راتبه اكثر من مائة دينار…عندما عاد الصفار للعراق اصبح شبه مراسل لسكرتير الحزب الشيوعي سلام عادل اذ اعتقل بعد ٨ شباط في قصر النهاية لكنه ظل يتحدث عن موضوع الحوالة التي استلمها عماش عام ٥٧ متهما اياه بالعمالة…حضر عماش شخصيا الى قصر النهاية وخلع ملابسه الرسمية مبقيا على ملابسه الداخليه مبتدءاحفلة من التعذيب لسليم الصفار الذي كان يردد فقط الله وانا نعلم انك عميل…تفنن عماش في تعذيب سليم الصفار الى ان غادرت روحه جسده المعذب…
بعد ٨ شباط ٦٣ تشكلت لجنه للاطلاع على مقتنيات الزعيم قاسم برئاسة علي صالح السعدي الذي بعد تفتيش المكتب عثر على إضبارة شخص اسمه ايليا زغيب فيها بعض الهوامش لجهة أمنية كانت تراقبه اذ كان آخر هامش يقول بعد مراقبة المذكور تأكد انه عميل للمخابرات الامريكية…قرب الهامش كتب قاسم تستمر المراقبة..السيد ايليا زغيب استاذ في جامعة بغداد وهو عضو بحزب البعث ويقال انه صديق شخصي لميشيل عفلق…اصدر السعدي امرا بإلقاء القبض على زغيب لياتيه الجواب لاحقا انه غادر العراق في نفس اليوم برا عبر الحدود السورية!!!…
هناك تهمة وجهت لطالب شبيب بتعاونه مع الامريكان من خلال عمله مع مكتب هندسي أمريكي لكن ذلك لم يؤكد من جهة اخرى..
اعترف صدام والبكر في اكثر من مناسبة انهم اضطروا للتعاون مع مجموعة من الضباط المشبوهين بارتباطاتهما مع جهات اجنبية…كيف يمكن النظر لهذا الاعتراف؟أليس هذا نوعا من العمالة؟ولماذا اختص البعث بالذات في انقلابين بشبهة التعاون مع جهة اجنبية او جهة مشبوهة لها علاقات بجهة اجنبية…يجادل البعض ان سياستيهما عند استلام السلطة تدل على وطنيتيهما بدليل قرار التاميم وغيره من القرارات مثلما قالوا ان الحديث عن ايدي امريكية في انقلاب ٨ شباط على خلفية سياسة قاسم النفطية هو امر غير صحيح مستدلين بعدم إلغاء حكم البعث قرارات قاسم النفطية …ان حزب البعث يتبع سياسة الغاية تبرر الواسطة حيث همه الوصول للسلطة باي ثمن وبعد وصوله للسلطة تلعب عوامل عدة دورها في تقرير ما يفعل فهناك راي جمهوره ومدى الفائدة من اي قرار لذلك تجد أن علي صالح السعدي اصر على الإبقاء على قانون الأحوال الشخصية الذي سنه قاسم وكان جزءا من حملة القوى القومية والرجعية ضده لكن في النهاية انتصر راي عبد السلام عارف وآخرين بإلغاء القانون استجابة لرغبة محسن الحكيم…في اثناء استعداد الضباط المشبوهين للانقلاب على حكم عبد الرحمن عارف وقبل أن يفاتحوا حزب البعث الذي كانوا متحفظين على ضمه للانقلاب بسبب سمعته السيئة فجعلوه خيارا اخيرا…ذهبوا إلى فؤاد الركابي أمين عام الحركة الاشتراكية العربية وفاتحوه بموضوع الانقلاب داعين اياه للانضمام لهم …رفض الركابي العرض..كانت مشكلة الانقلابيبن ليست في الحصول على دعم لإنجاح الانقلاب فالنجاح كان محسوما لكن الحاجة كانت لتنظيم له جمهور في الشارع وهم لم يكونوا يتوفروا الا على تنظيم شكلي باسم حركة الثوريين العرب…
ان استعداد حزب البعث للتعاون مع اي جهة اجنبية او محلية كانت على الدوام سمة من سمات هذا الحزب لايمكن ان يكون خاليا من العوامل السياسية والفكرية والتنظيمية اذ يفترض هكذا استعداد طلاقا مع افكار وأهداف وشعارات الحزب وهو ما توصلنا إليه في منشور سابق بعنوان البعث…لماذا..كذلك يفترض ذلك عنصرا بشريا من نوع معين وشكل تنظيمي يجيد الممارسة بعيدا عن اي اطار نظري مايجعله جاهزا للقيام بمهمات وممارسات مشبوهة