بون ـ جاسم محمد
تعيش دول اوروبا جدلا بشأن كيفية استقبال عائلات واطفال الدواعش، في اعقاب خسارة تنظيم داعش معاقله في مدينة الموصل والرقة، وانتهاء حلم مايسمى» دولة الخلافة». ومايزيد في الامر تعقيدا، ان دول اوروبا لم تحسم امرها في موضوع استقبالهم، وتختلف فيما بينها مما يعقد ايجاد معايير ثابتة داخل دول الاتحاد الاوروبي تحديدا واوروبا.
والى جانب عائلات داعش، برزت ظاهرة اختفاء قاصرين في اوروبا، وهذا مايثير الكثير من التساؤلات، بشأن دور مراكز اللجوء والهجرة في اوروبا، لأن التقارير ومنظمات دولية، منها اليونسيف، حذرت من وجود نشاط لتنظيم داعش في مراكز اللجوء، وهذا مايرجح احتمالات تجنيد الاطفال داخل اوروبا من قبل مقاتلي داعش وربما مجموعات عمل منظمة على غرار «المافيات» الدولية.
عائلات داعش تسلم نفسها
كشف مسؤول عسكري عراقي إن السلطات العراقية تسلمت أكثر من ألف امرأة وطفل من عائلات مقاتلين إسلاميين من 14 جنسية سلموا أنفسهم لقوات البيشمركة الكردية العراقية بعد معركة استعادة تلعفر، خلال شهر سبتمبر 2017 من أيدي تنظيم داعش. ونزحت العشرات من عائلات مقاتلي داعش خلال المعارك وبعدها إلى مخيمات أقيمت بالقرب من المدن العراقية التي تمت استعادتها من أيدي التنظيم.
واعلنت اجهزة الاستخبارات وجود، آلاف النساء والأطفال، في المناطق، التي كانت سابقا تحت سيطرة التنظيم. وتقول الخبيرة الاوروبية، « يفغينيا غفوزديفا» : أن «نظام الأحداث القضائي في معظم البلدان الأوروبية، لا يسمح بتطبيق الإجراءات نفسها عليهم، التي يمكن تطبيقها على الأشخاص البالغين المشتبهين بصلات مع الإرهابيين».
قال مسؤول في الرئاسة الفرنسية إن حوالى 700 فرنسي، ثلثهم من النساء، ونحو 500 طفل فرنسي يعيشون في مناطق يسيطر عليها تنظيم “داعش” في العراق وسوريا.وأضاف المصدر الرئاسي أن نصف هؤلاء الأطفال ولدوا في فرنسا، وبشكل عام نحو 200 مواطن فرنسي أو مقيم سافروا إلى البلدين، وقد قتل منهم ما بين 200 و300 شخص.
وتستخدم النساء علانية حساباتهن الشخصية على المواقع الاجتماعية في امتداح الهجمات، ويحرضن على سفك المزيد من الدماء، وقطع رؤوس الغربيين ويقدمن النصائح والتشجيع لنساء أخريات ممن يفكرن في الانضمام إليهن . وقال الخبير والمحلل السياسي إهس ماركيت “داعش أجبر النساء على الإضطلاع بدور نشط في القتال، وهذا ما يخالف مزاعمه، وهي على الأرجح محاولة منه للحد من تأثير النقص الحاد في الموارد البشرية، ويعود السبب في ذلك إلى استنزاف المقاتلين الذكور في معارك التنظيم الأخيرة”.
تجنيد الاطفال من داخل دول اوروبا
هدد تنظيم «داعش» الإرهابي، بتجنيد الأطفال من الدول الأوروبية، وتدريبهم على استعمال الأسلحة والمواد المتفجرة والأحزمة الناسفة وتنفيذ عمليات الذبح. وأصدرت ولاية «الجزيرة» في العراق، والتابعة للتنظيم الإرهابي، مقطع فيديو بعنوان «أقضوا مضاجعهم»، ويُظهر كيفية تدريب الأطفال على استعمال الدبابات، والمدافع، من أجل ضرب تركيا وفرنسا وألمانيا وأميركا وروسيا، وغيرهم من الدول الأوروبية.
خطة «داعش» ليست بجديدة، إذ أنه أصدر منذ نحو سنة، تطبيقات يمكن تحميلها على الهواتف المحمولة للأطفال، من أجل تجنيدهم، واستقطابهم لمبايعة التنظيم منذ صغرهم، في خطة لغسل أدمغتهم، وجعلهم يميلون لمبايعة التنظيم واتباع أساليبه. يذكر أهالي التلاميذ النازحين من الموصل أنّ تنظيم «داعش»كان يفرض مناهجه الخاصة في المدارس. تقديرات المراقبين تقول بان عدد التلاميذ الذين تلقوا دروسهم في مدارس «داعش» طوال السنوات الماضية بنحو 150 ألفاً، معظمهم تعلّموا المناهج التي كتبها التنظيم.
اختفاء قاصرين
ذكرت الـ «يوروبول» من أن «10 آلاف طفل من غير المصحوبين قد اختفوا في غضون ساعات قليلة من وصولهم إلى أوروبا». ومن جهتها، أكدت إياكوميني المتحدثة باسم اليونيسيف في إيطاليا، أنه «من الجوانب التي تثير الاهتمام، نذكر أنه في إيطاليا، فقدت السلطات أثر نصف الأطفال المهاجرين، أما في السويد، فقد اختفى نحو 1000 طفل مهاجر ولم تتمكن السلطات من العثور عليهم».
وحذر تقرير مركز أبحاث بريطاني ، نشرته صحيفة ديلي تلغراف يوم 2 يوليو 2017 بأن المئات من الشباب طالبي اللجوء يصيرون في عداد المفقودين من الرعاية بمجرد وصولهم إلى بريطانيا، وسط مخاوف من استهداف الجماعات المتطرفة لهم خلال رحلتهم إلى المملكة المتحدة.
من جهتها، أكدت سارة كولانتيس، الخبيرة في سياسة الطفولة التابعة للجنة الإسبانية لليونيسيف، أنه «منذ تأسيس النظام الأوروبي للمراقبة، كان هذا الأخير يفتقر إلى عديد الجوانب وتشوبه نقاط قصور. وأضافت الخبيرة أنه «حتى داخل دول الاتحاد الأوروبي، توجد مشكلة في تسجيل المهاجرين، إضافة إلى الفشل في التنسيق بين الدول الأعضاء».
وفي هذا السياق، شهدت المانيا حادثة هجوم لاجئ أفغاني قاصر مسلح بفأس جرح بضعة أشخاص داخل قطار في جنوبي ألمانيا خلال شهر يوليو 2016 قبل أن تتمكن الشرطة اطلاق النار عليه واردائه قتيلا وكان المهاجم لاجئا أفغانيا بعمر 17 عاما، يعيش في منطقة قريبة من مدينة اوكسينفورت.
التحقيقات كشفت استهداف القاصرين والشباب في مخيمات اللاجئين في تركيا، و ليبيا ، وكشف عن أن تنظيم الدولة كان يقدم مرورا مجانيا لأولئك الذين يعبرون الفيافي الليبية، إذا تعهدوا بالولاء للتنظيم. اي عمل التنظيم الى تمويل رحلات المهاجرين من الاطفال والقاصرين، ضمن خطة استغلالهم والاتصال بهم، بعد وصولهم، من اجل تنفيذ عمليات انتحارية في اوروبا.
التباين باجراءات استقبال عائلات الدواعش كان واضحا في الموقف الفرنسي الذي يفضل ابقاء العائلات والمقاتلين في مناطق النزاع، خاصة العراق واخضاعهم الى المحاكم هناك، بينما موقف المانيا كان مختلفا تماما، وفقا الى معلومات ادلى بها مسؤول داخل اجهزة الاستخبارات العراقية الى شبكة رؤية، رفض الكشف عن هويته، بان الحكومة الالمانية، تبذل جهودا مكثفة، لتقديم الخدمات القنصلية الى نساء الدواعش المعتقلات في العراق. واضاف المسؤول بأن، الحكومة الالمانية ترغب بااستعادة عائلات الدواعش والمقاتلين من الالمان ، واخضاعهم الى القضاء الالماني.
المعلومات التي حصلت عليها شبكة رؤية الاخبارية حصريا، ان الحكومة العراقية، تحتجز عائلات الدواعش في مقر احتجاز قرب مطار بغداد الدولي، وان العراق يخضع عائلات الدواعش الى التحقيقات. تسريبات من داخل اجهزة الاستخبارات العراقية، ترشح تسليمهم الى الحكومة الالمانية، ربما يعود ذلك الى العلاقة الجيدة بين البلدين، بعض التسريبات، وهذا ما بات مرجحا، ربما يتم مبادلتهم مع بعض العراقيين المتورطين بعمليات ارهابية ودعم تنظيم داعش ابرزهم الداعية «ابو الولاء» العراقي، المتورط بتقديم الدعم اللوجستي الى تنظيم داعش في العراق وسوريا.
تشهد دول اوروبا والغرب تحديات كبيرة، ربما لم تعهدها من قبل، ومنها ظاهرة عائلات داعش والقاصرين، والتي لم تحسم موقفها بعد بتسلمهم او اخضاعهم الى العقوبات في مناطق النزاع، رغم ان غالبية دول اوروبا كانت متورطة بسيلسة غض النظر عن التحاق هذه العائلات تحت اعين اجهزتها الاستخبارية، فما كانت تهدف اليها دول اوروبا، هو استقطاب الجماعات المتطرفة باتجاه دول المنطقة، بغرض التخلص منها.
ماينبغي الان على دول اوروبا والغرب، ان تحدد رؤيتها في محاربة التطرف والارهاب، بالاحرى، محاربة التطرف مجتمعيا. علماء النفس والاجتماع وخبراء الارهاب يجمعون، بضرورة بحث الامر مجتمعيا وسيكولوجيا، الى جانب اخضاعهم للقضاء، والاخذ بنظر الاعتبار ان القاصرين وبعض زوجات تنظيم داعش، كانوا ضحية لدعاية تطرف، ربما لاينطبق عليهم قانون عقوبات المقاتلين الاجانب، الا اذا تورط البعض منهن او منهم في جرائم خرب او تنفيذ عمليات قتالية وجرائم حرب.
* باحث في قضايا الإرهاب والإستخبارات