في النظم الديمقراطية وحتى الدكتاتورية، يكون الدستور، هو صاحب المكانة الأعلى، وله من السمو والعلو، ما يجعله يفترض هيبته على الحاكم، سواء كان نزيها أم فاسدا، أي مستبدا. ذلك أنه يضطر الى خلق دستور يتناسب وفلسفته الخاصة في الحكم. معنى الدستور، لا ينصرف الى تمثل الحكم العادل، أو الحكم المستند الى الشعب، ذلك أن ثمة دساتير، تكرس للاستبداد والتسلط. برغم ذلك، ثمة اتفاق على أهمية الدستور، من خلال عدم تجاوزه مهما كانت الأسباب.
دستورنا الدائم، الذي أقر في ظروف قلقة، ملتهبة، كان البلد فيها يعيش في أحضان الخراب والاحتلال والارهاب والفوضى السياسية والاجتماعية، وعدم وجود دولة، ولا جيش ولا أمن… كان الاصرار على سن دستور دائم، مع تضمينه نصوصا تجعل من تعديله أمرا معقدا، بل شبه مستحيل، يعود الى تواطئ بين الجهات المستفيدة من هذا الدستور، وبين الجهات التي تجهل مقومات السياسة وشروط الحكم، جهات تفتقر الى حكمة السياسي، وإمكانية رجل الدولة، في تشكيل كيان قانوني، قادر على تحقيق تطلعات وأهداف جمهوره. لقد تولدت قناعة تامة، لدى الشارع العراقي، وخصوصا المحتجين، أن أحد أسباب الخراب هو الدستور، أحد أسباب التدهور السياسي والاجتماعي والخدمي، هو الدستور. يتمثل هذا الخراب من جانبين، الأول: ما يخص نصوص الدستور ذاتها، والثاني: التطبيق الخاطئ وغير السليم لتلك النصوص. فمن ناحية نصوص الدستور، ثبت أن ترك أمر اختيار رؤوس الحكم، للكتل السياسية، ليس في صالح الشعب، فحين تتحكم الأحزاب بمصير وشكل الحكومة، هذا يعني أن تلك الحكومة، يجب أن يكون غطاء تلك الحكومة مناسبا لأرجل الأحزاب الممددة فوق فراش البلد، ولا تسمح تلك الأحزاب، بحكومة تغطي عورات السياسات السابقة التي ألغت الانسان العراقي، ولم تمنحه سوى الخراب والدمار. الدستور العراقي الدائم، وكما نص في المادة الأولى منه، على أن نظام الحكم، هو برلماني، بمعنى أن البرلمان هو المتحكم بشكل الحكومة، والشعب حين، يختار البرلمان، فإنه يفوضه ممارسة جميع أشكال السلطة نيابة عنه. الدستور نص على أن تقوم الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، بمعنى أن الكتلة الفائزة في الانتخابات هي التي تتولى ترشيح شخصية سياسية لتشكل الحكومة. وهذا النص، تم تجاوزه وتخطيه، عندما قررت الأحزاب والكتل اللجوء الى سياقاتها الخاصة، والاتفاق على مرشح مرضٍ للجميع، وليس مرضيا لا للشعب ولا وفقا للسياقات الدستورية. الأمر نفسه تكرر، حين استقال ذلك المرشح، من منصبه، فلم يتبع السياقات الدستورية ولا القانونية التي حددت آلية الاستقالة، وكذلك مع المرشح الجديد، الذي لم يكن من الكتلة الأكبر التي نص عليها الدستور. بالنتيجة فإن ما تبقى من الدستور ليس مهما، ذلك أن أهم نصوصه، تم خرقها وتجاوزها، من قبل القائمين على الدستور أنفسهم، وليس من قبل أفراد عاديين.
إن مشكلة الدستور، تتمثل بعدم وجود سلطة تراقب من يخرقه، عكس القانون، الذي يحميه الجميع من الخرق، لكن الدستور، على أهميته، فلا يحميه أحد، لذا، لا عقوبة ولا محاسبة لمن يخرق الدستور. ما تبقى من الدستور، يمكن تجاوزه وخرقه، من قبل أي جهة، مهما كبرت أو صغرت، فلا أتصور أن ما يمكن خرقه بعد الآن، أهم مما خرق من قبل.
سلام مكي