كرد العراق وانماط التمايز الطبقي والتفرقة العنصرية

جرجيس كوليزادة *

المثير جدا وحسب ارقام وبيانات معلنة من جهات نيابية واعلامية فان الفساد المخيم على اقليم كردستان منذ اكثر من ربع قرن قد صنع اكثر من عشرين مليارديرا واكثر من عشرين الف مليونيرا في المحافظات الكردية اربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة، وتتزعم هذه المجموعات المالكة للكتل المالية العملاقة بالعملة الصعبة العوائل الحاكمة ورؤساء وقيادات الحزبين الحاكمين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، وهذه الاموال متجمعة ومتراكمة اصلا من خلال الفساد والنهب والسرقة والفرهدة للثروات والموارد والممتلكات والاموال العامة لكرد العراق.
وهذه الكيانات المالية العملاقة الفاسدة بالاقليم، وتسلطها وتحكمها وتمسكها بزمام الامور العامة والخاصة، وسيطرتها على جميع المفاصل الحكومية والحزبية والاهلية وعلى مستوى جميع القطاعات الاقتصادية والتجارية والمالية والسوقية، جعلت من هذه الكيانات، تتحول الى مافيات حكومية وحزبية وعائلية تتصرف وتمارس اعمالها القذرة للثراء الفاحش بعيدا عن كل القيم الانسانية والاخلاقية والوطنية والدينية والاجتماعية، وخلال مسيرة الحكم من سنة واحد وتسعين والى يومنا تمكنت هذه المجموعات الفاحشة من زرع كل الصفات الخبيثة بالمجتمع ومن ابرزها التمايز الطبقي والتفرقة البغيضة والعنصرية المقيتة.
ومن ابشع ما زرعه الحزبان الحاكمان الطبقية العنصرية المقيتة من خلال فرض طبقة عليا مقدسة للعائلتين الحاكمتين شبيهة بالطبقات للسلالات الفرعونية في الالفيات الماضية وللامبراطوريات السابقة، وعلى اساس كل شيء حلال لهم وكل شيء حرام على الاخرين ومع حق التمتع برفاهية مطلقة لم تشهدها الملوك والرؤساء والخلفاء والامراء في المنطقة، والناظر يجد هذا المشهد الامبراطوري في اجتماعاتهم ولقائاتهم واحتفالاتهم ومكاتبهم وقصورهم وقوافلهم وسياراتهم ومركباتهم وازيائهم وحماياتهم واولادهم واحفادهم واقاربهم وازلامهم ووكلائهم وحتى في مأكلهم ومشاربهم وسفراتهم وتنقلاتهم وحتى في صلواتهم المزيفة ان وجدت، وباتت ممارساتهم وسلوكياتهم الاستعلائية الفوقية تخرق السماء وتشق الارض من شدة الفحشاء والجور ومن شدة تشبعهم بالحرام والاستبداد والتسلط.
وباتت المظاهر الفرعونية بسلطة الاقليم من ابرز التمايزات العنصرية في المستويات الاجتماعية والطبقية التي صنعهما بامتياز كل من البرزاني والطلباني، حيث قسما المجتمع الكردي بقصد او غير قصد على اساس المال والنفوذ السياسي والاقتصادي والتجاري الى خمس طبقات متفاوتة بمساحات شاسعة ومتباينة فيما بينها بمسافات واسعة بكل معاني الكلمة، وهي الاولى طبقة العوائل الحاكمة ورؤساء الاحزاب والمافيات الحكومية والحزبية والشخصية وهي تتحكم بكل موارد وثروات وممتلكات الاقليم وقاعدتها الفقهية الشرعية السرقة والنهب والفرهدة والقرصنة على الموارد والاموال العامة للشعب وهؤلاء يتمتعون بكل الصفات الفرعونية والقارونية وتبلغ ارصدتهم المليارات ومئات الملايين من الدولارات وتبلغ نسبتهم تقريبا 5%، والثانية هي طبقة المكاتب السياسية للاحزاب والوزراء والامراء العسكريين والنواب والمسؤولين الحكوميين والحزبيين والتجار والمقاولين والاثرياء الفاحشين وهؤلاء يتمتعون بكل وسائل الرفاهية في كل مجالات الحياة وهؤلاء تبلغ ارصدتهم العشرات ومئات الملايين من الدولارات وتبلغ نسبتهم تقريبا 10% من المجتمع، وطبقة الموالين للحزبين ورئيسيهما ويتمتعون بامتيازات اقل ولكن متسمة بالرفاهية مع امتلاك السيارات والمنازل والشقق والمزارع الخاصة ومثل السابقات قائمة على حساب المواطنين وتعيش على نهب موارد الشعب وتبلغ نسبتهم تقريبا 20%، وطبقة الموظفين والمتقاعدين الصغار والكسبة ويتمتعون برواتب وموارد قليلة تكفي بصعوبة لمعيشة العالئلة وتبلغ نسبتهم تقريبا 40% من المجتتمع، وطبقة مسحوقة اجتماعيا وماديا لا وظيفة لها ولا راتب ولا مورد ولا سكن ولا رعاية وتعيش بصعوبات بالغة لا تقدر على ايفاء مصاريف الحياة ودفع اجور الحاجات الاساسية والمستلزمات الخدمية مثل الكهرباء والماء والبلديات والصحة والمدرسة والجامعة وغيرها وهؤلاء تبلغ نسبتهم تقريبا 25% من المجتمع.
واضافة الى التمايز الطبقي نجد انماطا مختلفة للتفرقة وللتمايز العنصري وهي تنتهج بثبات عبر اكثر من ربع قرن خلال الحكم المتواصل للبرزاني والطلباني، والامثلة على انماط التفرقة العنصرية يمكن حصرها بما يلي: اسناد المناصب والمواقع الحكومية المدنية والعسكرية فقط الى المنظمين الى حزبيهما، وتحويل اغلب الموظفين في المكونات والكيانات الحكومية الى عناصر حزبية للحزبين الحاكمين، واحتكار الشركات الكبرى والمتوسطة والصغيرة لهما وللعائلة الحاكمة ولاعضاء حزبيهما، وحصر الوزارات المهمة مثل البيشمركة والداخلية والمالية والتربية والبلديات والصحة والتربية والزراعة والري والاوقاف وغيرها بحزبيهما وافراد غير مؤهلين لابد ان يتمتعوا بعبودية ولائية كاملة، وحصر التجارة وتبادل العملات والمصارف والاستيراد والتصدير بهما وتوزيع التجار والمقاولين والمحتكرين بينهما على اساس التحزب والعائلة الحاكمة، والسيطرة الحزبية والعائلية الكاملة على اجهزة ودوائر الوزارات بالتمام وعلى علاقات الاقليم السياسية والتجارية والاقتصادية والعسكرية مع الاطراف والجهات الخارجية، ووضع جميع النقابات والجمعيات المهنية والمدنية تحت سيطرة ونفوذ الحزبين الحاكمين.
استنادا الى ما سبق نقول ان رؤساء وامراء السلطة بالاقليم نتيجة للتحزب والحكم العائلي المفروضين زرعوا تمايزا طبقيا فظيعا وتفرقة بغيضة وعنصرية مقيتة داخل مكونات المجتمع الكردي، والحقيقة ان هذا المجتمع بات منخورا من الداخل وصارت احشاءه وانسجته الاجتماعية ممزقة، فالملة محرومة من كل شيء والشلة الحاكمة الطاغية جعلت من نفسها وبشرائع لا اخلاقية ولا وطنية فرعونا وقارونا على الاغلبية المحرومة المهمومة من كرد العراق.
وبالرغم من دعوات سلطة الاقليم المزيفة بالاصلاح والتغير، ولكنها بالحقيقة جهود لكسب المزيد والمزيد من المال الحرام بالفساد والحرام والنهب والقرصنة للموارد والثروات والممتلكات العامة، ويبدو ما من سبيل للخروج من هذا المأزق الاخلاقي الا الاستعانة بجهات اممية ورفع دعاوى قضائية على القادة والساسة والمسؤولين بالاقليم في المحاكم العراقية وفي محاكم الدول الاوربية لمحاكمتهم بتهمة ارتكاب جرائم كبرى بالفساد وسرقة المال العام، والمطالبة باسترداد الاموال المنهوبة بطرق قضائية، او الانقلاب على السلطة بثورة مدنية سلمية لازاحتها بقرار من اغلبية كردية شعبية مغتصبة من مواطنتها ومن حقوقها المادية والحياتية والمعيشية والوطنية والمدنية، ولحين ذلك اليوم فان خير ما نختم به ان غدا لناظره قريب.

(*) كاتب وباحث سياسي من اقليم كردستان

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة