-1-
من رُزق حُبَّ التتبع والمطالعة للكتب فقد أُوتي خيراً كثيراً، ذلك انّ مطالعة الكتب هي احدى الوسائل الفاعلة لاثراء الرصيد المعرفي والثقافي .
يقول أحد الشعراء :
كتابٌ أطالِعُهُ مؤنِسٌ
أحبُّ اليّ من الآنِسهْ
واقرؤه فَيُريني القرون
حضوراً وأعظمُهُم دارسِهْ
وأنا اخشى ان يثير الاستشهاد بهذين البيتين حفيظة الأونس
ولكن الشاعر أراد ان يعرب عن مقدار ما تُدخله المطالعة للكتب على نفسه من بهجة ونشوة .
ثم انتقل الى بيان ثمار المطالعة
فقال :
ان الكتاب الذي يقرؤه يجعله يستعرض الرجال والأحداث والوقائع ماثِلةً بين يديه برغم مرور القرون ..
وهكذا يشعر بازدياد مساحة علمه بأحداث التاريخ،
فالرجال ماتوا
والأحداث أصبحت من الاخبار، ولكنها حين دوّنت في كتاب معيّن أمكن للمطالِع أنْ يقف على حقائقها مستفيدا من تلك التجارب ومتعظا بالعِبر ..
-2-
وفي قراءة التاريخ خاصة فوائد جمة :
منها ما يصلح أن يكون سببا للنجاة من التورط في المظالم والمآثم
-3-
ولعلَّ المسؤولين بالذات هم أكثر الناس حاجةً للوقوف على التدابير التي اتخذها أسلافُهم للابتعاد عن الوقوع في الافخاخ، سيما حينما يطلب اليهم ان ينفذوا القرارات الجائرة التي يصدرها رؤساهم من الحكَّام
-4-
ومن ذلك ما رواه التاريخ عن ان عبد الملك بن مروان أصدر أمره الى واليه على المدينة أنْ يُلقي القبض على الامام محمد بن علي الباقر (ع) وان يرسله مخفوراً الى الشام
فكتب الوالي اليه يقول :
{ ” ليس كتابي هذا خلافا عليك ، ولا رداّ لأمرك ،
ولكنْ رأيتُ أنْ أراجعك في الكتاب نصيحةً وشفقة عليك ،
فان الرجل الذي أَرَدْتَهُ ليس على وجه الارض اليوم اعف منه ،
ولا أزهد ،
ولا أروع منه ،
وانه ليقرأ في محرابه فيجتمع الطير والسباع اليه تعجبا لصوته ، وان قراءته لتشبه مزامير آل داود وانه لمن أعلم الناس ،
وأرأف الناس ،
وأشد الناس اجتهاداً وعبادةً ، فكرهتُ لامير المؤمنين التعرض له ، فان الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ..!! }
ان هذه الرسالة من الوالي الى الخليفة تكشف عن عقلية رجل دولة متمرس .
فلقد أوضح بما لا مزيد عليه ان ليس ثمة من خوفٍ على السلطان والدولة من الامام الباقر (ع) لشدة زهده وورعه وعفته وانغماسِهِ المستمر في قضايا العلم والعبادة
وقدّم النصيحة الخالصة لعبد الملك بن مروان بالكفّ عن التعرض له ، فاستجاب عبد الملك بن مروان لنصيحته واخذ بها واسدل الستار على ذلك القرار المحموم .
-5-
ومثل هذه القضية قد تكون درساً في غاية الأهمية بالنسبة لكثير من المسؤولين الذين يُكلفَون بمهمات مشابهة للمهمة التي انيطت بوالي المدينة أيام عبد الملك بن مروان .
واذا كانت الأزمنة متباعدة فان جوهر القضايا المتجددة واحدة
وبالتالي فيمكن للمسؤولين الواعين أنْ يلعبوا أدوارا مهمة في الحيلولة دون الوقوع في تلك المطبّات الخطيرة .
-6-
ومن المؤسف ان القسم الاكبر من الأصحاب المناصب المهمة في العراق الجديد بعيدون عن قراءة التاريخ عموماً وهم يتابعون ما ينشر من تقارير دولية وما تنشره كبريات الصحف العالمية بعيداً عن كتب التراث والأدب والتاريخ ..
وبذلك فهم لا يقتنصون ما يثري رصيدهم من التجارب النافعة والحلول السلمية للمشكلات ، وننصحهم بانْ يعقدوا الصداقة مع الكتب النافعة والأسفار الملائ بالحِكَم فان مردوداتها الايجابية عظيمة النفع .
حسين الصدر