مايكل آيزنشتات
و فرزين نديمي
في 12 أيار/مايو، أصيبت أربع سفن «ناقلتا نفط خام سعوديتان كبيرتان وناقلتان أصغر حجماً إحداها إماراتية والأخرى نرويجية» بأضرار فيما وصفتها العديد من السلطات الدولية كأعمال تخريبية، ونسبها المسؤولون الأميركيون إلى إيران أو وكلائها. وبالرغم من احتمال استعمال المتفجرات، إلا أنه لم يتم الإبلاغ عن وقوع ضحايا أو تسربات نفطية.
ويبدو أنه جرى التخطيط للهجمات وتنفيذها بنحو جيّد، حيث كانت السفن على بعد خمسة إلى اثني عشر كيلومتراً عن بعضها البعض قبالة ساحل الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة. وإذا ثبت تورّط إيران بالفعل، فكان من الممكن أن تكون العملية إما من تنفيذ قوات البحرية النظامية أو «سلاح البحرية التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني». وكلاهما قادران على مثل هذه الهجمات، على الرغم من أن الفجيرة تقع خارج الخليج العربي، وبالتالي تتواجد ضمن نطاق منطقة المسؤولية المعتادة للبحرية.
وبعد يوميْن من الهجمات على السفن، استهدفت طائرات من دون طيار محطتين لضخ النفط تابعتين لشركة «أرامكو السعودية» في عفيف والدوادمي على طول خط الأنابيب «شرق-غرب» الذي يمرّ في وسط المملكة، مما تسبّب باندلاع النيران في إحداهما. وتبنى المتمردون الحوثيون اليمنيون المدعومون من إيران هذا الهجوم، وأفادت بعض التقارير أنها كانت العملية الأولى التي استهدفوا بها خط الأنابيب هذا.
وقد وقعت جميع هذه الحوادث بعد أيام فقط من إصدار الحكومة الأميركية تحذيرات بشأن هجمات محتملة قد تنفّذها إيران أو وكلائها، وتشمل أهدافها المحتملة أفراداً عسكريين أميركيين في العراق وسوريا وسفن عسكرية/تجارية في المنطقة. ويشكل المنطق الاستراتيجي للهجمات (انظر أدناه) إحدى عدة أسباب للاعتقاد بأن إيران كانت تقف وراءها، وكذلك حقيقة أن شبكة «الميادين» المؤيدة لـ «حزب الله» في لبنان كانت أول من أبلغ عن أحداث الفجيرة.
وفي 15 أيار/مايو، أمرت وزارة الخارجية الأميركية الموظفين الحكوميين غير الأساسيين بمغادرة السفارة الأميركية في بغداد والقنصلية الأميركية في أربيل، رداً على ما يبدو أنها تهديدات وجهها وكلاء إيران المحليون ضد أفراد أميركيين. وبعد ذلك بوقت قصير، علّقت ألمانيا وهولندا مؤقتاً برامج التدريب العسكري في العراق. قد تشير هذه التطورات إلى أن إيران تخطط لهجمات متتابعة، سواء لردع واشنطن عن الرد على الهجمات الأولية أو لمواجهة التحركات التصاعدية الأمريكية المتصورة (على سبيل المثال، النشر الأخير لمجموعة الحاملات الهجومية في خليج عمان). وعلى الرغم من تصريحات الرئيس ترامب والمرشد الأعلى علي خامنئي بأن احتمال اندلاع حرب غير مطروح، إلّا أن تحركات القوات على الأرض يمكن أن تسفر عن مثل هذه النتيجة إذا لم تتم إدارتها بحذر.
المنطق
الاستراتيجي لإيران
إن أحد مؤشرات الرعاية الإيرانية المحتملة هو المنطق الاستراتيجي المشترك الذي يجمع على ما يبدو بين هذه الهجمات ويتمحور حول مضيق هرمز. فالفجيرة هي موقع خط أنابيب النفط الذي يبدأ من أبو ظبي ويسمح للإمارات والدول الشريكة لها بتصدير 1.5 مليون برميل يومياً من النفط الخام من دون المرور بذلك المضيق الضيق والمحفوف بالمخاطر. ولطالما استخفت إيران بالمشروع واصفةً إياه بأنه محاولة عقيمة للتقليل من أهمية المضيق. وفي السعودية، يتمتع خط الأنابيب «شرق – غرب» بالقدرة على نقل خمسة ملايين برميل يومياً من حقول النفط الشرقية إلى محطات التصدير على البحر الأحمر، وكذلك من دون المرور بالمضيق (على الرغم من أنه في الممارسة العملية يعمل بأقل من نصف تلك القدرة اليومية. وربما كان القادة الإيرانيون يأملون في بعث رسالة مفادها أنه في حال اندلاع أزمة أو حرب، يمكنهم تعطيل صادرات النفط ليس فقط من خلال المضيق (وهو ما زعموه منذ فترة طويلة)، بل أيضاً من خلال طرق بديلة.
وأتى ذلك على الأرجح كردّ إيران على إعلان إدارة ترامب في 22 نيسان/أبريل بأنها ستتوقف عن منح الإعفاءات من العقوبات المفروضة على شراء النفط الإيراني – وهو قرار يهدف إلى وصول صادرات النظام النفطية إلى الصفر كجزء من سياسة الرئيس الأميركي المتمثلة بممارسة «أقصى ضغط» على إيران. ومنذ الحرب الإيرانية-العراقية، حذّرت طهران من أنه إذا لم تستطع تصدير نفطها عبر مياه الخليج، فلن يتمكن غيرها من تصدير نفطه أيضاً. وكرر قائد «سلاح البحرية التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي»» على رضا تانجسيري هذا التهديد في 22 نيسان/أبريل، قائلاً: «إذا مُنعنا من استعمال مضيق هرمز، فسنغلقه». وقد عززت الهجمات هذه النقطة.
ورداً على ذلك، اتهمت واشنطن إيران بالقيام بتحركات أشارت إلى أن الهجمات من نوع ما، كانت وشيكة، ثم أعلنت يوم السادس من أيار/مايو أن مجموعة الحاملات الهجومية «يو إس إس أبراهام لنكولن» وأربعة قاذفات من طراز «بي-52 إتش» كانت تنتشر في المنطقة. وفي الوقت نفسه، حذر مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون من أن «أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة أو على مصالح حلفائنا سيواجَه بقوة لا هوادة فيها.»
غير أن المسألة الرئيسة لا تتعلّق بالقدرات العسكرية للولايات المتحدة في المنطقة بل بمصداقيتها. فإذا كانت إيران تقف وراء الهجمات على السفن وخطوط الأنابيب، فقد أثبتت بوضوح استعدادها لتحدي تحذير بولتون وقدرتها على عرقلة تجارة النفط في المنطقة على السواء. وعلى الرغم من استمرار شحنات النفط من دون عوائق، إلا أن الأسعار وعلاوات التأمين شهدت ارتفاعاً كبيراً وسريعاً، وقد تؤدي المزيد من الهجمات إلى تداعيات أكبر. وعلاوة على ذلك، فمن خلال تجنب الإصابات وضرب السفن التجارية المملوكة لحلفاء إقليميين للولايات المتحدة ودولة أصغر في الاتحاد الأوروبي، حدّت الهجمات من إمكانية التصعيد مع الولايات المتحدة. وباختصار، من الواضح أن إيران كانت تأمل في تقويض مصداقية واشنطن، وتقييد حريتها في العمل، وتجنب القتال، على الأقل حتى الآن.
كيف وصلنا
إلى هذه المرحلة؟
على افتراض أن ادعاءات إدارة ترامب بشأن التهديدات الإيرانية مدعومة باستخبارات ودلائل شرعية موثوقة، فإن أحداث الأسبوع الماضي قد أبرزت العديد من المشكلات المحتملة مع المقاربة الأميركية الحالية:
الإخفاقات في مجال الردع. يبدو أن الهجمات قد أظهرت أن التحذيرات وعمليات نشر القوات لا تكفي دائماً لمنع طهران أو شركائها من تجاوز الخطوط الحمراء المعلنة أو الضمنية التي تحددها واشنطن. وتُعزى هذه الفجوة جزئياً إلى تجاوز الإدارة الأميركية لخطوط إيران الحمراء – أي أن الهدف الأميركي المعلن بخفض صادرات النفط إلى الصفر هدّد بتقويض الاقتصاد الإيراني بنحو أكبر وبمفاقمة الاضطرابات المحلية. ويبدو الآن أن طهران مستعدة للمزيد من التصعيد إذا أتى ردّ الولايات المتحدة عسكرياً أو حاولت التصدّي لعمليات مستقبلية.
سوء احتساب المخاطر مقابل المكاسب. لا بدّ أن تتجنب واشنطن، من باب الحذر، تجاوز خطوط خصومها الحمراء ما لم تتطلب المصالح الأميركية الحيوية خلاف ذلك. وفي الحالة الأخيرة، يجب أن تكون مستعدة للرد بقوة. ومن خلال محاولة وقف جميع صادرات النفط الإيرانية، قامت الإدارة بمجازفات خطيرة ومتزايدة بنحو كبير في سعيها لتحقيق مكاسب غير مؤكدة.
فقدان المصداقية. تواجه الإدارة الأميركية مشكلة مصداقية مزدوجة. أولاً، إن رغبة الرئيس الأميركي التي أعرب عنها غالباً في تجنب أي حروب إضافية في الشرق الأوسط وسحب القوات الأميركية من المنطقة ربما تكون قد جرّت إيران لاختبار ما أعرب عنه. ثانياً، يحمّل الكثير من الأميركيين وحلفاء الولايات المتحدة الإدارة الأميركية مسؤولية الأزمة الحالية بسبب انسحابها من الاتفاق النووي في العام الماضي. وهم الآن يشككون بأي ادعاءات تصدر عن هذه الإدارة بشأن إيران ويعتقدون أن المسؤولين يريدون التسبب باندلاع حرب. وستعيق هذه التصورات قيام رد أميركي فعال إزاء الأزمة.
استعداد إيران للمخاطرة. تبدو طهران وشركاؤها على استعداد للمجازفة بتجاوز الخطوط الحمر الأميركية، لكن بطريقة حذرة تحول دون اندلاع صراع مسلح واسع النطاق من النوع الذي لا يمكنهم الانتصار فيه عسكرياً. وكما ذُكر سابقاً، فقد تجنبوا ضرب أهداف أميركية وخططوا على ما يبدو للهجمات بهدف الحدّ من إمكانية إلحاق الضرر والتصعيد. وربما كان القصد من هذه المقاربة الحذرة الضغط على الولايات المتحدة للتراجع عن جهودها لوقف صادرات النفط الإيرانية بالكامل.
التوصيات في
مجال السياسة العامة
في ضوء هذه المشكلات، لا بدّ أن تتّخذ الإدارة الأميركية خطوات لخفض احتمالات التصعيد مع الاستمرار في تعزيز المصالح الأميركية الحيوية:
تهدئة النقاد. من أجل المساعدة على طمأنة النقاد المحليين والأجانب الذين يشككون في ادعاءات واشنطن ونواياها تجاه إيران، ينبغي على واشنطن الكشف عن أكبر قدر ممكن من المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالتهديدات المحدقة بالأفراد الأميركيين ونفط الخليج وحُريّة الملاحة البحرية. ويشمل ذلك نشر أدلة جنائية ترتبط بالهجمات على ناقلات النفط في الفجيرة، لتتمكّن حينها المنظمات غير الحكومية الموثوقة من تقييمها بنحو مستقل.
وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن تؤدي الشفافية الأكبر إلى التأثير على أولئك الذين لا يثقون بالإدارة الأميركية أساساً، إلا أنها قد تساعد في حشد الدعم للجهود الرامية إلى توجيه إدانة رسمية للتهديدات التي تشكّلها إيران على حرية الملاحة في الخليج العربي. فتح الاتصالات والحدّ من التوترات. على واشنطن أن تحاول فتح خطوط اتصال مع طهران لتقليص احتمال سوء التقدير، وربما إطلاق عجلة المفاوضات. وفي غضون ذلك، على الإدارة الأميركية أن تبطئ بهدوء وتيرة فرض عقوباتها الأخيرة على قطاع الطاقة – على سبيل المثال، من خلال السماح للعراق بمواصلة استيراد الكهرباء والغاز من إيران لتوليد الطاقة طوال فصل الصيف الحار، وعبر السماح للشركات الأجنبية بتسلم شحنات النفط الإيراني لتسديد الديون.
التعزيز والحماية. برغم أن الهجمات لم تلحق ضرراً فعلياً بصادرات الطاقة الخليجية، إلا أن ضعف البنية التحتية النفطية الأساسية وخطوط التواصل البحرية في المنطقة قد انكشف. ويمكن اتخاذ العديد من الخطوات لتعزيز هذه البنية التحتية وحماية الممرات البحرية، ولكن لا توجد وسيلة لحماية كل منشأة وسفينة معرضةً للهجوم. وفي النهاية، تُعد استعادة قوة الردع الخطوة الأكثر أهمية التي يمكن للولايات المتحدة اتخاذها من أجل تحسين مستوى هذه الحماية.
استعادة قوة الردع من خلال توجيه رسائل واضحة. يجدر بواشنطن تجنّب اتخاذ الخطوات التي قوّضت مراراً موقفها الرادع تجاه إيران. فمن ناحية، على المسؤولين الأميركيين وقف توجيه رسائل متباينة بشأن نوايا أميركا في المنطقة. وعليهم أيضاً تجنب استعمال لغة غير دقيقة (على سبيل المثال، كثيراً ما يتكرر مصطلح «تم إخطار إيران») وخطاباً مضخماً (« القوة التي لا تلين «) عند توجيه تهديدات ردع، لا سيما إن لم تترافق هذه الكلمات مع التزام بالتحرك. علاوةً على ذلك، وكما تعلّمت الإدارات الأمريكية السابقة الدرس القاسي، لا يجدر بواشنطن وضع خطوط حمراء صريحة ما لم تكن مستعدة لتطبيقها. ولا ينبغي أن تتجاوز خطوط إيران الحمراء ما لم تكن مصالحها الحيوية على المحك، أو ما لم تكن مستعدة للتعامل مع ردّ إيراني قوي.
ومع ذلك، فإن موقف الردع الأميركي قد تضاءل بالفعل، لذلك تحتاج الإدارة الأمريكية إلى القيام بنوع من الرد الملموس على الهجمات في الخليج من أجل استعادة مصداقيتها. ومع ذلك، يجب عليها تجنب الإجراءات التي يمكن أن تجرّها إلى صراع أعمق مع إيران، وتهيّج أعضاء الكونجرس، وتزيد من عزل الحلفاء.
النظر في التحرك سراً. تتمثل إحدى الطرق لتحقيق «الردع من دون المبالغة» في النظر في اتخاذ خطوات سرية يمكن إنكارها وتكبّد إيران خسائر مادية جسيمة، مما يعقد جهود النظام لضبط المخاطر والتكاليف في المستقبل. على طهران أن تفهم أنه يمكن لطرفين أن يلعبا لعبة الإنكار المقبول. ومع ذلك، فكما هو الحال مع الردع العلني، قد يتعارض التحرك السري مع الجهود الأميركية الموازية للحد من التوترات وفتح خطوط الاتصال. وستشكّل على الأرجح إدارة هذه التناقضات أكبر تحد سياسي تواجهه الإدارة الأمريكية في المرحلة القادمة.
توسيع نطاق استعراضات القوة الأميركية. سبق للإدارة الأميركية أن اتخذت سلسلة خطوات عسكرية ملحوظة: فإضافة إلى نشر مجموعة حاملات هجومية في المنطقة وإرسال أربع طائرات من نوع «بي-52» إلى قاعدة «العديد» الجوية في قطر، نقلت المزيد من مقاتلات «إف-15 سي» إلى قاعدة «الظفرة» الجوية في الإمارات (التي تعزز الطائرات من طراز « إف-15 سي» و «إف-35» التي هي بالفعل هناك)، وأعلنت نشر بطاريات «باتريوت» المضادة للصواريخ، وأعدّت أيضاً خططاً لسفينة النقل البرمائية «يو أس أس آرلينغتون» كي تحل محل جزء من مجموعة الاستعداد البرمائية الخاصة بسفينة «يو إس إس كيرسارج» المتواجدة حالياً في المنطقة. ومع ذلك،
قد يتطلّب الأمر عمليات نشر إضافية إذا كانت واشنطن تأمل في الإشارة إلى أن لديها خيارات حيوية متاحة أمامها إذا قامت إيران بتصعيد إضافي -على سبيل المثال، نشر مجموعة حاملات هجومية ثانية و/أو طائرات حربية إضافية. ولكن كما تم التأكيد عليه أعلاه، لن تُحدث عمليات نشر مماثلة مفعول الردع المرجو إلا إذا أعادت الولايات المتحدة بناء مصداقيتها المتضررة أيضاً.
ترتيب الأزمات وفقاً للأولويات. تشكّل الأزمات الخارجية تحدياً حتى بالنسبة للإدارات الأميركية الأكثر تمرساً،
وفي الوقت نفسه فإن فريق الرئيس ترامب عالقاً في دوامة توترات مع إيران والصين وكوريا الشمالية وفنزويلا. إن القدرة الذهنية والجسدية المتاحة للتعامل مع مثل هذه الأوضاع محدودة، وقد يؤدي فرط استعمال الموارد العسكرية الأميركية حول العالم وبالتالي تشتيت تركيز كبار صناع قراراتها إلى وقوع كوارث في مكان واحد أو أكثر. وفي الوقت الذي تتعامل فيه الولايات المتحدة مع الأزمة الراهنة مع إيران، يجدر بها تخفيف التصعيد في الميادين الأخرى.
مايكل آيزنشتات: زميل «كاهن» ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن. فرزين نديمي هو زميل مشارك في المعهد، ومتخصص في شؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج.
معهد واشنطن