السينوغرافيا

د. طارق الجبوري

تتكون السينوغرافيا من كلمتين مركبتين أساسيتين هما: السينو بمعنى الصورة المشهدية، و كلمة غرافيا تعني التصوير.
أصل كلمة سينوغرافيا، إغريقي (LaSkemographia أو Skemographia) وتعني كل ما يتعلق بالرسوم التي تتواجد على خشبة المسرحي، ولكنها بالمعنى الحديث تعني كل ما يتعلق بالإطار الشكلي الفني للمسرح والسينما .
عندما نتحدث عن السينوغرافيا فلا يمكن تسويتها بنمط معين في الفن، فالسينوغرافيا كما هو الفن التشكيلي يتحرك ضمن مدارات واتجاهات ومدارس وأساليب متعددة، ويشير(wyspinsky) إلى «الارتباط العضوي بين السينوغرافيا والفن التشكيلي» فهي بقدر ما تكون واقعية يمكن ان تكون رمزية أو انطباعية او تعبيرية او وحشية و تكعيبية بل يصل ميل بعض أشكال السينوغرافيا الى البنائية والبنائية وهو تيار يسعى إلى البحث عن أشكال تشكيلية جديدة تستجيب لمتطلبات العصر والتقدم كما يسعى لإيجاد أشكال هندسية مجردة في الفنون التشكيلية والديكورات السينمائية.
كما ان السينوغرافيا قد اشتغلت في المعمار والمسرح كذلك اشتغلت في السينما فقد ساهمت في التشكيل البنائي للسينما الواقعية كذلك الانطباعية فعلى صعيد الفانتازيا فقد ظهر توظيفها في أفلام كثيرة كسلسلة سيد الخواتم التي تعتمد (التدميرية) لقوانين الفن المعماري المتعارف عليها إلا إن هذه الأعمال المتمردة تعد أعمالا هامة تضيف الى السينوغرافيا السينمائية إضافات بالغة الأهمية في نسيجها وبنائها وألوانها الخاصة ومعمارها عدا كونها تزخر بفانتازيا فن الرسم بعالمه الواسع، باعتبارها أي الفنتازيا رسما يصدم العين البشرية نتيجة لترتيب عناصرها المقدمة في فضاء اللقطة ، كما نرى على سبيل المثال لا الحصر الرسوم المصورة لرؤى الأفلام المفزعة والخيالات الوحشية الأسطورية المفعمة بالغرابة كما يظهر في مشاهد عديدة من فيلم «هاري بوتر» .
عندما تزخر السينوغرافيا بعناصر شكليه كثيرة كلغة تنظيمية تشكيلية مفككة أخذت السينما على عاتقها تحقيق الوحدة الموضوعية لهذه العناصر وذلك من خلال الأسلوب(style) ومن يستخدم أكثر من أسلوب يكون عاملا على تحطيم الوحدة الموضوعية الشكلية وذلك كمن يختار فضاء لموقع مشهد معين لبيت ذو طراز إسلامي ويختار سينوغرافيا ذات طابع حديث.
والأسلوب هنا لصيق الصلة بالمخرج حتى يكاد من يرى أفلامه يتعرف عليه لمجرد رؤيته لها فالأسلوب هو لغة المخرج وهو بصمته وهويته وملامحه، وبمقدور السينوغرافيا الحديثة الإجابة على كل المتطلبات الفنية والفكرية، فجوهر فكرة السينوغرافيا الجديدة انما تتمثل في استخدام أشكال ووسائل وطرق جديدة تكفل تحقيق مضامين جديدة إلا انها ينبغي ان لا تخرج عن الوحدة الديالكتيكية بين التجديد والرسوخ فالمنطق الجديد لا يلغي التقاليد والمناهج ويفرض علينا استخدام وتحسين الوسائل المتوفرة والمتاحة ثانية وباستخدام تقنية الأبعاد الثلاثية في صناعة السينما وثورة المؤثرات الخاصة أصبحت للسينوغرافيا دورا مهما في بناء فضاءات مفترضة تذهب بعيداً في معمارها الى خارج نطاق التصور.
فالسينوغرافيا هنا بدأت بإشباع الغريزة الجمالية عند المتفرج وتقوم في الوقت نفسه على خلق حالة انسجام هرموني بين كل العناصر والوسائل شرطية كانت ام غير شرطية المستخدمة في العرض السينمائي.
وبالتأكيد فان بناء الفضاءات والشكل الفني تختلف تماما في افلام الفنتازيا عنها في الكوميديا أو التراجيديا أو التاريخية أو الاجتماعية وذلك لان مضامين الصراع والزمان والمكان مختلفة والتي تستوجب الاستيعاب الذي يفرض الدقة في الكشف عن النوع الذي له انعكاسات كبيرة وأساسية على فكرة وبناء العمل الدرامي والشكل الفني، ويعد الممثل واحدا من أهم العناصر السينوغرافيا والممثل ذات قوة ديناميكية مؤثرة في عملية تشكيل السينوغرافيا وذلك لكون الممثل يوظف يداه وذراعاه ورأسه ورجلاه وعيناه وصوته وكلامه والوسيلة الى عمله أعصابه وعضلاته والنتيجة الفنية تكون عادة الشخصية التي يشكلها الممثل محددة بإطار النص السينمائي ضمن تصرفات الفعل وعلاقته ببقية الشخصيات.
ان الممثل كعنصر من عناصر السينوغرافيا حينما لا يكون مسيطرا على تكنيكيه الخارجي وبالتالي جسمه وأطرافه فانه لا يلبث ان يفشل اذا لم ينفعل خارجا بما يوافق الانفعال الداخلي وبما يناسبه حتى تتوافق حركة الجسد الفيزيائية مع طبيعة الانفعال الداخلي والعاطفة المسكونة في جسده. وسيكون توظيف هذه الحركة من خلال الميزانسين في وضع تشكيل حركي فيزيائي منظم وفي تناغم وتوافق مع حركة العواطف، وهنا تتجلى حقيقة كان قد أكدها هانتلي كارتر في ان قضية العقل المسيطر ليس هو عقل الممثل وانما هو عقل المخرج» اي ان المخرج هو الذي يضع الميكانيكية الحية الآلية لجسم انسان منظم في تكوين حركي مرسوم بصورة مثالية.
هنا تفرض الحاجة الخطة الاخراجية او الميز انسين الحركي لتقويم حركة الممثل وادائه وباقي مكونات العرض «فالميزان سين هو لغة فنية، تكشف عن الخطة الفكرية والفنية للمخرج وعمله مع الممثل» والحديث عن التمثيل هنا هو يتحدث عنه كجزء مأخوذ عن الروابط المتبادلة مع القوانين العامة لميزانسين اي مشهد وداخل اطار الفهم الملموس للنفس الداخلية الشاعرية لكل مخرج على انفراد، أي إن الممثل يوظف في بناء الفيلم بالتطابق مع القوانين واسلوب المخرج على أساس ان الممثل هو احد ادوات ووسائل تحقيق الفكرة الإخراجية (الميزانسين الحركي) وينفذ ما قرر له .
أذن من الضروري ان يفهم ان استخدام تكنيك يجب ان ينطلق من المبادئ الجمالية العامة للعمل الفني، اي ان يكون اداء الممثل متوازنا مع جمالية الفيلم ، وبمقدار ما تتحقق فكرة المخرج تماما في كل جزء من أجزاء الفيلم ومن ضمنها الأداء التمثيلي بمقدار ما يبدو العمل متكاملا بشكله العام.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة