المحكمة الاتحادية وأعداد النواب ومجالس المحافظات

أغلقت المحكمة الاتحادية العليا الباب أمام تأويلات واجتهادات فردية يعتمد البعض منها على مزايدات ذات طابع سياسي أو جهل في القانون بخصوص أعداد أعضاء مجلس النواب ومجالس المحافظات.
وقد يسأل البعض لماذا سكت القضاء الدستوري في العراق عن هذا الإيضاح طيلة المدة الماضية؟ الجواب يأتي بأن المحكمة لا تستطيع استصدار قرار في مسألة ما من دون دعوى ترفع أمامها إما بطعن دستوري أو تفسير لنصوص دستورية.
هذا يعني أن المحكمة لم تبادر من تلقاء نفسها في تفسير نص المادة 49 من الدستور التي تنص على أن «يتكون مجلس النواب من عدد من الاعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة ألف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله»، بل بناءً على طلب من الامانة العامة لمجلس النواب في ضوء أسئلة محددة استعرضها القرار واحدا تلو الاخر وأجاب عليها تفصيلاً.
مؤخراً، ظهرت بعض الاصوات المنادية بأن عدد 100 الف يخص فقط الناخبين، أي من له حق الانتخاب بموجب القوانين ذات العلاقة، وبالتالي يمكن تقليل عدد النواب كون المشمولون بحق الانتخاب هم اقل من عدد نفوس العراقيين بشكل عام.
لكن المحكمة الاتحادية أوضحت قصد المشرع في قرار يتفق مع القانون والمنطق من خلال الفهم الصحيح للنص الدستوري المشار اليه في طلب التفسير.
وجاء في نص القرار أن «التعبير الوارد في النص الدستوري (نسمة) جاء مطلقاً ولم يخصص بعدد المصوتين والمطلق يجري على إطلاقه».
نعتقد بأن هذا الرأي هو الصحيح, فلو اراد المشرع الدستوري غير ذلك لذكر بأن النواب يمثلون 100 الف «ناخب، أو مصوّت»، لا «نسمة»، حيث هناك فرق بين المفهومين، فالأول بموجب القانون هو العراقي الذي تتوفر فيه الشروط القانونية والأهلية للتصويت في الانتخابات، والشروط هي أن يكون عراقي الجنسية، وكامل الأهلية، وأتم الثامنة عشرة من عمره في السنة التي تجرى فيها الانتخابات، ومسجل في سجل الناخبين وفقاً لأحكام القانون والأنظمة والإجراءات التي تصدرها المفوضية المستقلة للانتخابات.
أما النسمة، فهي كل العراقيين بغض النظر عن حالتهم الشخصية سواء من الناحية العمرية أو من مراكزهم الاجتماعية.
مع ملاحظة أن الدستور أورد كلمة «ناخب» في موضعين أحدهما يتعلق بتعريف الناخب وشروطه والأخر جاء في اليات طلب التحول إلى اقاليم، ولو أراد المشرع الدستوري أن ينصرف الامر إلى (الناخب) لكان قد أورد ذلك صريحاً في الفقرة التي تتعلق بمعدل 100 الف لكل نائب لكنه ذكر مفردة «نسمة».
بما أن هذا النص جاء دستورياً، فأن تعديله بالزيادة أو النقصان أو بتغيير المفهوم من النفوس إلى الناخبين يتطلب تعديلاً في الدستور على وفق احكام المادة 142 منه.
أن الدستور وبموجب هذه المادة حدد اليات تعديله وهي بتشكيل لجنة نيابية تقدم المقترحات على مجلس النواب لكي تحصل على موافقة الاغلبية المطلقة، ومن ثم على الشعب للاستفتاء عليها، ويكون الاستفتاء على المواد المعدلة، ناجحاً بموافقة اغلبية المصوتين، واذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو اكثر.
أما عن أعضاء مجالس المحافظات، فلم يرد تحديد عددهم في الدستور، أنما جاء ضمن قانون صادر عن مجلس النواب، والقانون يعدل بقانون آخر، أي بإمكان مجلس النواب اجراء زيادة أو نقصان عددهم من خلال مداخلة تشريعية، وهو ما نصّ عليه القرار القضائي.
إياس حسام الساموك

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة