الفضاء الالكتروني، أصبح يشغل حيزا أوسع وأشمل من الفضاء الواقعي، من خلال كثرة عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وكثرة تلك المواقع، وإنفاق الكثير من الوقت في تصفح وارتياد مختلف المواقع والصفحات والمنتديات الالكترونية. ولا شك ان نسبة الشباب تمثل النسبة الأكبر من مرتادي تلك المواقع، نظرا لتعدد اهتمامات تلك الشريحة وشغفها بالتواصل الاجتماعي والفكري والثقافي مع الآخرين، أو نتيجة لانعدام فرص التواصل الواقعي كما في حال الكثير من الفتيات اللواتي يفضلن التواصل الالكتروني على التواصل الواقعي، نظرا للتحرر شبه الكامل من القيود والرقابة الاجتماعية، حيث ان منصات التواصل الاجتماعي تمنح قدرا كبيرا من الحرية لمرتاديها. ونتيجة لذلك، فمن الطبيعي والمنطقي ان تزداد المشكلات والتعارض بين المصالح وتزداد الجرائم والمخالفات داخل تلك المنصات، لدرجة انها أصبحت تهدد وجود الفرد داخل واقعه ومجتمعه. ولعل ظاهرة الابتزاز الالكتروني التي يكون الرجل طرفها والمقابل هو امرأة أو فتاة مراهقة، وقعت ضحية لنزوة خاطفة، جعلتها أسيرة مزاج مراهق أو مجرم، لا هم له، سوى جني الأموال مهما كان مصدرها، حتى لو كان المصدر هو حياة وسمعة عائلة كاملة. إن كثرة جرائم الابتزاز الالكتروني وكثرة ضحاياه، لم يترك هاجسا لدى المشرع، بغية ضرورة تشريع قانون جديد يعالج هذه الظاهرة الآخذة بالتمدد والانتشار، فالمحاكم المختصة، تعالج هذه الجرائم عبر تطبيق نصوص قانونية شرعت عام 1969! وأخذت تتوسع في تطبيق تلك الجرائم، بسبب غياب النصوص القانونية الصريحة التي تعالج مشكلة الابتزاز الالكتروني، إضافة الى وزارة الداخلية، أخذت باستحداث مراكز خاصة لاستقبال ضحايا الابتزاز الالكتروني. منصات التواصل الاجتماعي، تطالعنا يوميا بعشرات القصص والقضايا من هذا النوع، وهذا يعود الى تحرر المرأة الضحية لهذا الفعل من خوفها وتتجه الى طلب الشكوى بحق المبتز، برغم علمها ان فعلها هذا قد يجلب لها مشكلات مع عائلتها ومع مجتمعها، لكنها تدرك أن تمادي المبتز بأفعاله معها ومع غيرها، أكثر ضررا من توجهها لطلب الشكوى بحقه. إن أهم طريقة للوقاية من الابتزاز الالكتروني، تبدأ من الأهل، الذين يسهمون بشكل أو بآخر في انتشار هذه الظاهرة، من خلال منح الثقة الزائدة وغير المبررة لأبنائهم، وعدم مراقبة سلوكياتهم خلال الفترات التي يقضونها داخل منصات التواصل الاجتماعي. العامل الآخر هو غياب النص القانوني الرادع، بسبب عدم جدية المشرع في مواكبة الأحداث ووضع القوانين المطلوبة للمستجدات. إن الجهود الكبيرة التي تقوم بها الجهات المختصة والمتمثلة بالمحاكم وأجهزة وزارة الداخلية، كبيرة ومهمة في تحجيم هذه الظاهرة، ولكن ثمة قضايا مسكوت عنها، وتحل بعيدا عن القضاء، وهذه غالبا ما تكافئ المبتز وتعاقب الضحية.
سلام مكي