العراق في مرمى العنف الوحشي بعد عام 2003

بعد حقبة «جمهورية الخوف» والقمع المنظّم
ترجمة: سناء علي*

«اننا نحتاج الى الاصلاح بعد ان يئسنا من امكانية ان تنجح الطبقة السياسية الحالية في تحقيق ذلك، فلو كانت قادرة عليه لانجزته خلال العقد الذي قضته في السلطة، الا ان الواقع يتحدث عن عكس ذلك، اذ كلما مر الوقت تضاعفت المشكلات وتعقدت الازمات وتشعبت، فيومنا اسوأ من امسنا، وغدنا اسوأ من يومنا.»
هذا نص كلام لمواطن عراقي في التظاهرات الاخيرة اقتبسه الكاتب البريطاني المعروف « يوليان بوستن « في احدى كتاباته التي نشرت على صحيفة « الناشونال ديلي تليغراف البريطانية « والتي تحدثت حول سنوات التغيير التي مر بها العراقيون والتي لم يجنوا منها سوى سنوات من سوء الخدمات والقتل والارهاب كما اضاف في مقاله ان» مجرد شيوع فكرة عدم نجاح التغيير في العراق، إلا بتدخلات اقليمية ودولية، كلّف العراق والعراقيين الكثير من الدماء والخسائر الفادحة في الثروات والبنية التحتية.»
وتابع قائلا « ان العراق ليس بلداً عقيمًا ابداً، فهو يمتلك من الكفاءات والخبرات والخيرين والكفوئين من اذا اتيحت لهم الفرصة فسيغيرون اشياء كثيرة.»
وتابع « اما القول بأن هذه الطبقة السياسية اكتسبت خبرة خلال وجودها في السلطة طوال هذا الوقت فلماذا نخسر الخبرة المتراكمة ونبدأ من الصفر؟.
ومن قال ان هذه الطبقة اكتسبت خبرة؟ لو كان الامر كذلك لبان في مشاريعها وانجازاتها وعلاقاتها ولقادت العراق الى النجاح.ومن اجل ان لا نظلمها اود ان اعترف بأنها بالفعل اكتسبت خبرة متراكمة، ولكن ليس في حل المشكلات وقيادة العراق الى النجاح وتحقيق اهداف العراقيين في الحياة الحرة والكريمة، وانما في الفشل واللصوصية والفساد بكل اشكاله وبعضها في الارهاب وغير ذلك.»
كما تساءل بوستن « لو ان كل من قضى سنوات في السلطة يجب أن يبقى فيها بحجة انه اكتسب خبرة، فماذا سيبقى اذن من النظام الديمقراطي الذي يعني في جوهره التداول السلمي للسلطة عبر صندوق الاقتراع؟ ولو كان هذا الكلام صحيحًا لما شهدنا تغيير الزعماء في العالم الحر كل اربع او ثماني سنوات، ولتشبثت كل حكومة بسلطتها الى ابد الابدين، وعندها لتحول العالم كله الى نظام آل سعود، مثلا، يتوارثون السلطة من القصر الى القبر.»
كما تحدث بوستن عن ان القانون الحالي في العراق فصلته الطبقة السياسية الحاكمة بطريقة يضمن لها احتكار السلطة حتى الممات، من خلال تشريع نظام القوائم والقاسم الانتخابي وعملية نقل وانتقال الاصوات، ولذلك رأينا كيف ان مرشحاً لم يحصل على عدة مئات من الاصوات حجز مقعده على حساب مرشح آخر حصد عشرات الآلاف من اصوات الناخبين، وذلك بسبب الطريقة التي شرعها القانون في حساب الاصوات.»
كما أكد أن « العراق الجديد (الديمقراطي)، الذي ما يزال يتأرجح بين الوصول الى المستوى المطلوب من التجربة الديمقراطية والتعددية والحريات وغيرها، وبين الوصول الى المستوى المطلوب ايضاً للأمن والاستقرار بعد أن وجد على حين غفلة، أنه بات مختبراً ومصنعاً لأعتى العصابات الاجرامية واكثرها وحشية ودموية في العالم. فالدلائل تشير الى أن الساسة في بغداد، ربما ما يزالون يعيشون لحظات النصر على الطاغية صدام بفضل المخطط الاميركي.»
كما نفى بوستن أن يأتي النصر والتغيير للعراقيين كما يريدون وكما تشتهي سفنهم.. إنما بما يحقق المصالح للاطراف الاقليمية والدولية، لذا يمكن القول إن المسؤولين العراقيين وجدوا انفسهم اليوم في وضع غاية في الاحراج، عندما يُبرئ الاميركيون اطرافاً اقليمية أجرمت بحق العراق وتسببت في إزهاق آلاف الارواح، بهدف تشكيل التحالف المطلوب للحرب المفترضة ضد ما يسمى بتنظيم «داعش» في العراق وسوريا.» واضاف « تجمعت الادلة الكافية على تورط كل من السعودية وقطر وتركيا في مساندة ودعم هذا التنظيم وغيره، وجاء إقرار نائب الرئيس الاميركي جو بايدن، تتويجاً للحقائق الموجودة على الارض، وكان يفترض بالحكومة العراقية التحرك بسرعة لاستثمار الفرصة وإثبات الوجود والضرب بيد من حديد بوجه كل المسؤولين عما جرى ويجري في العراق، او في الاقل، التأكيد للعالم بأن هذه الدول او غيرها غير مؤهلة لأن تكون شريكة نظيفة وصادقة في الحرب على الارهاب الذي رعته ونشأ على يديها، وذلك من خلال مقاضاتها قانونياً امام العالم.»
كما تحدث عن فشل التجربة الانتخابية في العراق قائلا « ان الكثير من اعضاء مجلس النواب، وبدورتيه الحالية والسابقة لم يحجزوا مقاعدهم الا بسبب ولائهم لهذا الزعيم او ذاك، وفي احيان كثيرة بسبب العلاقات الاسرية، ولذلك فان النائب لا يفكر ابداً في ان يتجاوز (الزعيم) الضرورة بأي شكل من الاشكال لانه يشعر بانه ولي نعمته وانه صاحب الفضل عليه في الوصول الى البرلمان، ولطالما شكا لي نواب من عجزهم عن ابداء آرائهم بحرية او التصويت او الامتناع بحرية، خوفاً من بطش (زعيم) القائمة او زبانيته، الذي يمارس سياسة تكميم الافواه كلما احس بخطر. «
كما اختتم حديثه ان جل هذه الطبقة الحاكمة، لم تكن تمتلك أية خبرة في الإدارة والسلطة، خاصة وان جلهم قضى عمره في صفوف المعارضة يقاتل ويجاهد ضد نظام الصنم الذي سقط في التاسع من نيسان عام 2003، الا انه اكتسب الخبرة من خلال التجربة، فلماذا يحتكر الفرصة لنفسه خاصة بعد ان ثبت بالتجربة بأنه فشل في تحقيق برنامجه الانتخابي او الحكومي؟.

* عن صحيفة « الناشونال ديلي تليغراف البريطانية «

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة