تخصص المهرجانات السينمائية التي تقام في معظم انحاء العالم وعلى مدار السنة، قسما خاصا لعروض الأفلام السينمائية القصيرة، بنوعيها الروائي والوثائقي، معظم الأفلام التي تعرض هي أفلام مهمة، تحمل أفكارا وطروحات قد لا تتوفر عليها الكثير من الأفلام الطويلة، ويأتي ذلك في خلال وقت قصير قد لا يتجاوز الخمسة عشر دقيقة، حرص صانعوها على تكثيف الفعل الدرامي وضغطه كي يصل الى المتلقي، وهذا التكثيف يعني التعامل مع عناصر اللغة السينمائية بطريقة تبدو لي صعبة للغاية وليست بالمهمة السهلة.
من خلال حضوري لمهرجانات سينمائية مختلفة، وحرصي على مشاهدة هذا النوع المهم من الأفلام، لاحظت عدم اهتمام واضح بها من قبل البعض، فغالبا ما يكون الحضور قليلا مقارنة بعروض الأفلام الطويلة، وفي الغالب تجد ان معظم الحضور هم صناع الأفلام وبعض طلبة معاهد وكليات السينما، ولا يحضر من المدعوين للمهرجان نقادا أو اختصاصات أخرى الا القليل، لدى سؤالي للبعض عن سبب ذلك، كان التبرير انها تعرض في فترة الظهيرة وهو وقت غير ملائم لهم ، أما البعض الاخر وخصوصا النقاد ، فأجاب ان الأفلام الروائية الطويلة التي تجلبها المهرجانات وغالبا ما تكون أفلاما مهمة ، والبعض منها عرض أول، فمن غير المعقول ان اذهب لمشاهدة مجموعة من الأفلام القصيرة وأفوت فرصة مشاهدة فلما مهما لمخرج مهم، قد لا تتاح لي الفرصة لمشاهدته ثانية.
ورغم الأهمية الكبيرة والواضحة للفلم القصير باعتباره جنسا فلميا له اشتراطات وقواعد عمل خاصة به ، الا انه لا يحظى باهتمام نقدي كبير، فلا نجد الكثير من الكتابات النقدية التي تتناول أفلاما قصيرة ، روائية كانت أم وثائقية، وكأن النقد السينمائي يكتب للأفلام الطويلة فقط ، فاذا كان النقد يكتب للمتلقي كصلة وصل بينه وبين الفلم ، فللفلم القصير جمهور الذي ينتظر كتابات نقدية عن أفلام شاهدها، وهذا الانتظار نابع من محاولة الجمهور معرفة ما حمله الفلم من رموز ودلالات قد تكون عصية او غير مفهومة عند البعض منهم ،ِ فهل ان البعض يترفع عن الكتابة النقدية على هذا النوع من الأفلام ، وهو يعرف ان العديد منها قد حصل على جوائز الاوسكار والسعفة الذهبية وغيرها من جوائز المهرجانات المهمة، وان كبار المخرجين السينمائيين قد بدؤا حياتهم المهنية بهذا النوع من الأفلام ، بل ان مخرجا كبرا مثل يوسف شاهين وبعد عديد النجاحات التي حققها يعود في العام 1998لعمل فلم قصير بعنوان « كلها خطوة « ، كذلك يقوم المخرج الجزائري الياس سالم صاحب فلم « الوهراني» الذي يتحدث عن ما حصل بعد الثورة الجزائرية، بإخراج فلم قصير بعنوان « لم ير ولم يعلم».
واتسأل هل فات البعض من النقاد مشاهدة الفلم القصير للمخرج أنس خلف « ماريه نستروم «الذي يتحدث عن المهاجرين السوريين، أو فلم «الببغاء « للمخرجين دارين سلام وأمجد الرشيد، الذي يتحدث عن هجرة اليهود العرب الى فلسطين، وكلى الفلمين يستحقان الكتابة النقدية عنهما، وكذلك العديد من الأفلام العربية والعالمية الأخرى.
أعتقد ان من الانصاف ان يكون هناك اهتمام نقدي واضح بالأفلام القصيرة، من باب تشجيع صانعيها ومعظمهم من الشباب أولا، ومن باب تشجيع الجمهور على متابعتها ثانيا، وبالتأكيد لقرأتها قراءة نقدية تفكك ما تطرحه في زمن فلمي قصير جدا.
ما ذكرت لا يعني التعميم، فهناك العديد من النقاد الذي يتابع هذه الأفلام ويكتب عنها برؤى نقدية ثاقبة، لكني أطمح الى إيلاء اهتمام أكبر بها نقديا وجماهيريا
كاظم مرشد السلوم