أجنحة لشواهد ِ الحُب

 مباهج اللحظة الشعرية

                           ريسان الخزعلي

                           ( 1 )

أجنحة لشواهد الحُب ، مجموعة الشاعر / محمد جابر أحمد / تُقيم صلاتها مع الشعري من خلال مروادة البهجة ، بهجة اللحظة الشعرية ، ومثل هذه البهجة تُكرّس الإحتفاء بالجملة المنفصلة  – على الأعم – عن توابعها السابقة واللاحقة . وهكذا تأتي القصيدة ، وهي قصيدة نثر ، بتراكم جُملي يصعب فيه ملاحقة فضاء البناء الشعري الكلّي للقصيدة ، ويصعب كذلك الإهتداء إلى الروابط الداخلية التي تُشكّل النسيج والمعنى . ومثل هذه الصعوبات قد ترتبط بالنموذج الشعري الذي يستهوي الشاعر بعد تشاغله المُبكّر بشعر الشاعر / صلاح ستيتيّة / الذي أشاره ُ إليه الشاعر / رعد فاضل / حينما أطلعه ُ ( أي محمد ) على نماذج من شعر بداياته ، فما كان من رعد فاضل إلّا القول : شعرك يشبه شعر صلاح ستيتيّة  – وهذا ما أسرّني به الشاعر ذاته ودّيا ً . ومثل هذه الإشارة لا تدّل على التأثر والتأثير ، حيث أن الشاعر في بداياته لم يكن قد إطّلع َ على شعر ستيتيّة ، وإنما تؤكد تخاطراً ما قد حصل طرفه الشاعر رعد فاضل ، وقاد إلى معاينة النموذج  ، مع الإستدراك بأن لا جامع بين تجربة الشاعرين ، زمنياً ولغوياً ، حيث أن ستيتيّة يكتب بالفرنسية قبل أن يولد الشاعر محمد جابر .

                           ( 2 )

قصائد / أجنحة لشواهد الحُب / تأخذ شكلين من البناء :  قصائد قصيرة أو متوسطة ، وأخرى طويلة بمقاطع مرقّمة ( 1 ، 2 ، 3 ، …….) ..، وفي كلا الشكلين يقطف ما أسميته ُ : مباهج اللحظة الشعرية بإنصات روحي لما يحصل في تحولات الوجود ، حياتيّا ً وفكريّاً وفلسفيّا ً ، غير أنَّ هذا القطاف تظللهُ الذهنية العالية – متعة الشعر الغاطسة (أتعرف ُ الدرب َ اللانهائيَّ لنا ، قبل َ أن يتمدد َ الجسد ُ منتصباً لافتة ً لموتنا ؟ …..، وأنت َ تحتفل بوصولك حافة َ الغرق ِغريقا ً يحيا ، لتوزع َ بشارة َ الوصول ِ إلى جنة ٍ ليس فيها غريب ٌ غيرك …. ، الموت ُ بين َ المدِّ والجزر ِ ، وجهة ُ نظر ٍ ، الجسد ُ لافتة ٌ تضلل ُ الموت …) . والذهنية هذه هي دالّة الشاعر في مجاورة اللحظة الشعرية ، من هنا يكون المدلول ( أجنحة لشواهد الحُب ) طيراناً في المُخيلة ، والتعليل كما أرى : إن َّ الشاعر في تجاربه الحياتية اليومية لم يكن مشغولاً بصيحة الواقع الدامي إلّا بالقدر الذي يمكّنه ُ من الإقتراب إلى ضفة الإنتصار لوجوده ( لست ُ سيزيف َ ليطلقوا عليَّ هذا الإسم ، ما أسمعه ُ يغط ُ في الوحي ، وأنا متدرج ٌ بين السطور …) وأضيف تعليلاً آخر َ يرتبط بإحساس الشاعر بالغربة ، غربة الوطن الذي يسمع به ولم يرَه ، فهو عراقي الولادة ، فلسطيني الجذور ، وتبعاً لهذه المحنة لايتردد من القول :

/ محتفل ٌ بغربته ِ/ – عنوان قصيدته هذا ، ( غربة ٌ تُولّد ُ باقي َ أجزائك َ المكتملة ِ التي ينقصها ..وطن ٌ وممحاةٌ  للرصاص ِ على جدار ِ قصيدتك َ الكونكريتي …..) . والغربة هذه يجسّها حتى في جسم  المرأة  القريبة من رفيفه ( تُكررين ابتسامتك ِ ، أنت ِ الميتة ُ وأنا الميت ُ فيك ِ ..، تتوردين َ في باقة ٍ لا متناهية ٍ . يُعطشني تموّجك ِ ..تتلوين ، أشم ُّ ألوانك ِ في الذي لا لون َله ُ ولا رائحة  ) .

                             ( 3 )

من صفاء قصائد المجموعة ، تكون  قصيدة ( الأجمل أن … ) وهي القصيدة الأولى في المجموعة والتي ثُبتت كذلك على الغلاف الخلفي ، كما أنها العنوان الأولي المقترح للمجموعة ، مثالاً يعكس شعرية الشاعر حينما يتجاوز الذهنية ويلتفت إلى الأفق الشعري الأوسع ، الأفق الكامن في جماليات الوضوح العميقة :

ذات َ صباح ٍ ، فتحت ُ النافذة َ فرأيت ُ الله !

أغلقتها ، ثمَّ فتحتها لإكمال ِ الدهشة ِ ..

– الله !

فرأيت ُ شجرة ً مسرعة ً بين الفصول ِ

يا الله

أخيرا ً رأيت ُ مالا يُرى

بقيتِ النافذة ُ  تفتح ُ وتُغلق ُ عليَّ .

…….،

حين شدّتني هذه القصيدة ، لا أعرف كيف برق َ قول ( كازنتزاكي ) أمامي : قلت ُ لشجرة ِ اللوز ِ ، حدّثيني عن الله ِ يا أخت . فأزهرت شجرة اللوز . ..، أرى أن َّ ثمة خيطاً خفيّا ً يوصل بين الاثنين ، إنها طرقات الشعر المداهِمة القادمة من لاوعي ٍّ يقظ .

ولا يقتصر الصفاء الشعري ، على هذه القصيدة ، فقصائد مثل : أبجدية النعي ، الثيران المجنّحة ، أسرّة الرماد ، وغيرها ، إضافة إلى الكثير من المقاطع المرقّمة ، تتوازى هي الأخرى بصفاء ٍ مضاف ، يمنح أجنحة ً ل ( أجنحة لشواهد الحُب ) ..، غير أنّي اكتفيت بالمثال تحت سطوة ذوقي وتذوقي ومباهج اللحظة الشعرية …

* أجنحة لشواهد الحُب ..محمد جابر أحمد ..منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق 2020

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة