العالم يواجه صدمة “أعمق” بسبب الأزمة
الصباح الجديد ـ وكالات:
توقفت الحياة في معظم أنحاء العالم بسبب تفشي الفيروس التاجي الجديد، في حين أن الصين التي كانت حتى وقت قريب الأكثر تضرراً من الوباء القاتل، تعود ببطء إلى الحياة.
انخفض عدد الإصابات الجديدة في الصين بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة، وعادت المدن في جميع أنحاء البلاد إلى وضع قريب من الطبيعي.
يخرج السكان من الحجر الصحي، ويعاد فتح الشركات، فيما بدأ الموظفون العودة إلى العمل.
وفي ضوء هذه المستجدات، طرح متابعون تساؤلا مفاده: هل ستكون الصين نقطة مضيئة في هذه الأوقات العصيبة؟ وهل ستلعب دور المحرك للنمو العالمي؟.
مجلة “فورين أفيرز” قالت إن هذا أمل كثير من “الذين نسوا أو أغفلوا محاولة بكين الفادحة للتستر على تفشي المرض”.
ويبذل قادة العالم الخميس قصارى جهدهم لتجاوز انقساماتهم من أجل التوصل لاستجابات منسقة حيال أزمة جائحة كورونا المستجد، الذي تجاوزت حصيلة وفياته الـ90 ألف شخص والذي يهدد العالم بانهيار اقتصادي غير مسبوق.
وفي رأي المجلة، من المرجح أن يكون الواقع مختلفًا تمامًا عن آمال كثيرين، إذ إن الاقتصاد الصيني، وعلى وجه الخصوص، قطاع الاستهلاك الذي كان مزدهرًا سابقًا، في طريقه إلى التعثر، برغم بوادر التعافي البادية عليه إثر الانهيار الأخير الناجم عن الفيروس التاجي.
أسباب داخلية
وقد يكون هذا التكهن القاتم مفاجأة بعد عقدين من النمو الاستثنائي، بعدما قفزت الاستثمارات الأجنبية من 47 مليار دولار إلى 124 مليار دولار، وبعد أن غادر مئات الملايين من الصينيين مزارعهم خلال هذه الفترة، وأصبحوا يشكلون ما أضحى يعرف هناك بـ “العمال المزارعين” أو الطبقة الشغيلة المتوسطة.
لكن نمو هذه الطبقة المتوسطة وحدها لا يمكن أن يضمن مستقبل الصين.
سعى قادة الصين إلى توسيع الاستهلاك المحلي كجزء من خطتهم للانتقال من اقتصاد يعتمد على التصدير والدين، إلى اقتصاد يعتمد أكثر على القوة الشرائية للشعب الصيني.
لكن استهلاك الأسر بقي يشكل نحو 40 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة، وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ نحو 60 في المائة.
كبح آمال
ونجم عن التدابير الصينية الصارمة، تدهور النشاط الصناعي إلى أدنى مستوياته في شباط، فيما تقلص الإنتاج الصناعي للمرة الأولى في 30 عاما، بعد أن أغلقت السلطات المحلات والمتاجر.
وسجل مؤشر مديري المشتريات مستوى فاق التوقعات ليبلغ 52 نقطة لشهر آذار، وفقا للمكتب الوطني للإحصاءات.
وقال مكتب الاحصاءات إن الرقم “يؤشر إلى أن أكثر من نصف الشركات المشمولة بالدراسة شهدت تحسنا في استئناف الأعمال والإنتاج مقارنة بالشهر السابق”، غير أنه أضاف أن ذلك “لا يعني أن العمليات الاقتصادية في بلدنا عادت إلى مستوياتها الطبيعية”.
كبير الخبراء لدى المكتب الصيني للإحصاءات تجاو كينغهي، قال “على الرغم من انتعاش مؤشر مديري المشتريات في القطاع الصناعي، لا تزال هناك نسبيا ضغوط كبيرة على إنتاج المؤسسات وعملياتها”.
ويتوقع الخبراء أن يتراجع المؤشر ليدخل منطقة الانكماش في شهر نيسان الجاري.
وحذر البنك الدولي من أن تداعيات الاقتصاد العالمي يمكن أن تتسبب في تراجع نمو الاقتصاد الصيني وصولا إلى 2,3 بالمئة هذا العام، مقارنة بـ6,1 بالمئة في 2019.
وقال مسؤول في البنك المركزي الصيني لوسائل إعلام إنه يوصي بألا تحدد بكين هدفا للنمو هذا العام نظرا إلى الشكوك الهائلة التي تواجهها.
وأكد نوري أن الحياة لن تعود لطبيعتها قبل حلول عام 2021، مستبعدا أن يتم تخفيف إجراءات العزل والتباعد الاجتماعي والبقاء في المنزل قبل نهاية أيار أو حزيران.
ونقلت صحيفة “إيكونوميك ديلي” الرسمية عن “ما جون” العضو في لجنة السياسة النقدية في بنك الشعب الصيني، إنه سيكون من الصعب الوصول إلى نمو بنسبة 6 بالمئة، مضيفا أن تحديد هدف يمكن أن يحد من التدابير الرسمية للتعامل مع تداعيات الفيروس.
وحذر مدير مركز أبحاث الصين الكبرى لدى بنك “أو. سي. بي. سي” تومي شي قائلا “لا ينبغي أن نتوقع الكثير من هذا الانتعاش القوي”.
وأضاف لوكالة فرانس برس “شباط كان شهرا سيئا للصين… (المصنعون) شهدوا عرقلة كبيرة في الإمدادات بسبب إغلاق المصانع والقيود على التنقل”، معتبرا أن “أي انتعاش بعد شباط… أمر مفروغ منه”.
ومن المرجح أن تشهد الصين “صدمة مفاجئة لحجم الطلب هذا شهر، وقد يعني ذلك مؤشرا أكثر أهمية، وفق شي، في وقت يتضاءل الطلب العالمي وتقوم المصانع في الخارج بتعليق عملياتها.
كبيرة خبراء الاقتصاد لدى مجموعة آي. أن. جي المصرفية آيريس بانغ، قالت إن طلبات التصدير الجديدة بقيت دون عتبة الـ50ـ نقطة في آذار إضافة إلى الواردات.
وقالت “أعتقد أن الناس نسوا… أنه حتى وإن تراجع فيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة، قد تكون هناك فرصة كبيرة لعودة الحرب التجارية والتكنولوجية”، في إشارة إلى التوتر التجاري المستمر بين الصين والولايات المتحدة.
وقال محللون لدى مركز نومورا، لو تينغ ووانغ ليشنغ ووانغ جينغ، في مذكرة قبيل صدور بيانات مؤشر مديري المشتريات إنهم يتوقعون “بشكل كبير نموا سلبيا في كافة بيانات الأنشطة تقريبا في آذار، بالنظر لبطء وتيرة تعافي الشركات والتراجع في حجم الطلب الخارجي”.
وخلافا للاستجابة الرسمية للأزمة المالية في 2008-2009، يبدو أن القادة الصينيين يستبعدون هذه المرة تبني خطة إنعاش اقتصادي ضخمة تستهدف البنى التحتية.
ضرب كبرى الاقتصادات
وعاش العالم أزمات اقتصادية سابقة واستطاع تجاوزها، لكن مع فيروس كورونا المستجد يبدو أن اقتصادات العالم في أشد سقوط حر قد لا تستطيع النهوض منه، على وفق تقرير لفورين بوليسي.
ويواجه العالم الآن فترة طويلة يدفع فيها انخفاض الاستهلاك والاستثمار إلى المزيد من الانكماش.
ونتيجة لوباء كوفيد-19، يقول التقرير إنه من المتوقع الآن على نطاق واسع أن يتقلص الاقتصاد الأميركي بمقدار الربع، بشكل يشبه ما حدث خلال فترة الكساد الكبير.
ولكن في حين أن الانكماش بعد عام 1929 امتد على مدى فترة أربع سنوات، فإن الانهيار الاقتصادي بسبب الفيروس سيحدث على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة.
ويصف التقرير الأمر بالمرعب الذي لم يحدث من قبل.
وتواجه الدول الأوروبية صدمة اقتصادية أعمق وأكثر وحشية مما شهدته من قبل، ويؤثر الفيروس بشكل مباشر على الخدمات – البيع بالتجزئة والعقارات والتعليم والترفيه والمطاعم، وبالتالي فإن النتيجة فورية وكارثية.
ولا تقتصر الصدمة على الولايات المتحدة. وتخفف العديد من الاقتصادات الأوروبية من آثار الانكماش من خلال دعم العمل لفترة قصيرة. وهذا من شأنه أن يخفف من حدة الارتفاع في معدلات البطالة. ولكن انهيار النشاط الاقتصادي لا يمكن تجنبه.
ويقول التقرير إن شمال إيطاليا ليس مجرد وجهة سياحية فاخرة. وهو يمثل 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الإيطالي. ومن المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا بأكثر من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، بسبب اعتمادها على الصادرات.
وآخر مجموعة من التنبؤات الواردة من منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي هي توقعات مروعة في جميع المجالات. وقد تكون اليابان هي الأكثر تضرراً، بالرغم من أن الفيروس كان له تأثير معتدل هناك.
ويشير التقرير إلى أن البلدان الغنية على الأقل قد تحاول وضع تقديرات للأضرار. وكانت الصين أول من بادر إلى الإغلاق يوم 23 كانون الثاني وتظهر آخر الأرقام الرسمية أن نسبة البطالة فى الصين بلغت 6.2 فى المائة، وهو أعلى رقم منذ بدء الأرقام القياسية فى التسعينات، عندما اعترف الحزب الشيوعي الصيني على مضض بأن البطالة ليست مشكلة تقتصر على العالم الرأسمالي.
ونواجه الآن فترة طويلة يدفع فيها انخفاض الاستهلاك والاستثمار إلى المزيد من الانكماش وحتى بمجرد استئناف الإنتاج والعمالة الحاليين، سوف نتعامل مع مخلفات العمل المالي لسنوات قادمة.