البناء المعماري للفيلم الروائي بين التقليد والمعاصرة

كاظم مرشد السلوم

تعود البداية الحقيقية لصناعة الفيلم السينمائي الى العام 1896م (وهو نتيجة للجمع بين ثلاث مخترعات سابقة هي اللعبة البصرية، الفانوس السحري، التصوير الفوتوغرافي).
وقد سجل الاخوان لومير اختراعهما لأول جهاز يمكن ان يعرض الصور المتحركة وتمكنا من اقامة عرض جماهيري في 28 من كانون الأول 1895، ومن هذا التاريخ أصبحت السينما واقعا ملموسا، ولم يكن احد يفكر في البناء المعماري للفيلم حتى دخول عصر الريادة الذي يؤشره المؤرخون من عام 1895 -1910، ففي هذا العصر بدأت صناعة الفيلم، وكانت معظم الأفلام وثائقية تسجيل لبعض المسرحيات، واول دراما روائية كانت مدتها نحو خمس دقائق، ثم جاء الفرنسي جورج ميليه ليصنع فيلمه «رحلة الى القمر «،( وكانت الأسماء الكبيرة في ذلك الوقت هي اديسون ،لومير ، وميليه بأفلامه المليئة بالخدع).
وتشكل افلامهم المحاولات الاولى، لصناعة السينما، التي كانت اداة اتصال جديدة، وربما تكون هذه الأفلام بدائية، ولكن يجب تقدير ومعرفة ان الطاقة والعمل الذي بذل لإنتاج هذه الأفلام كان مبهرا، وقد أسست فيما بعد لبناء الفيلم وتطوره حيث شهدت الفترة من عام 1911-1926 عصر الأفلام الصامتة، هذا العصر الذي تميز عن سابقه بكثرة التجريب خصوصا في عملية المونتاج، حيث لم تكن أفلاما صامته بالكامل، بل كانت هناك استخدامات لطرق ومؤثرات صوتية خاصة، برغم عدم وجود حوار على الإطلاق، لذلك نشأ شكل وبناء جديد للفيلم السينمائي، حيث اختفت التسجيلات المسرحية وحلت محلها الدراما الروائية، وكانت هناك أسماء شهيرة مثل شارلي شابلن وجريفيث وغيرهم، واصبح انتاج الافلام اكثر كلفة وبدأت نوعية وجودة هذه الافلام تثير جدلا لدى المتلقي، وشهدت هذه الفترة انتاج فيلم المدرعة بوتمكين لازنشتاين والذي يعد ولحد الان واحدا من أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما.
بدأت السينما إنتاج الأفلام أكثر كلفة، وقد كانت البنية المعمارية لأفلام هذه الفترة ذات طابع خاص كونها تفتقر إلى الصوت الذي يعد احد عناصر اللغة السينمائية المهمة وكان ما يميز بنائها المعماري هو الصمت برغم وجود موسيقى مرافقه لفيلم ولكنها داخل قاعات العرض وليست ضمن بنيته.
في العام 1927 جاء عصر الكلام والصوت وأنتج أول فيلم ناطق هو(مغني الجاز . وقد اثأر دخول الصوت في الفيلم السينمائي جدلا واسعا بين مخرجي ونقاد السينما في تلك الفترة بين مؤيد عدّه فتحا جديدا للفيلم السينمائي وإضافة مهمة في صناعته في حين عدّه آخرون نشازا مسيئا للفيلم وللصنعة السينمائية، لكن دخول الصوت شكل إضافة مهمة إلى بنية الفيلم وعمارته (وضمت هذه المرحلة أسماء مهمة مثلا كلارك غيبل ، فرانك كابرا ، جون فورد).
كذلك فقد تنوعت أفلام هذه الفترة وازداد اهتمام الجمهور بها (وظهرت فيها أفلام مهمة مثل، أضواء المدينة تشارلي شابلن عام 1931، المواطن كين لأورسون ويلز عام 1940، ملائكة الجحيم لهوارد هوكس عام 1930 وكلب أندلسي لولويس بونويل 1929)، نلاحظ هنا تطورا واضحا في بنية الفيلم المعمارية متمثلة بدخول الصوت وما احدثه من تطور هائل في صناعة الفيلم .
يعد المؤرخون الفترة من عام 1941-1954 العصر الذهبي للسينما حيث احدثت الحرب العالمية العديد من التغييرات المهمة من صناعة الفيلم، فخلال وبعد الحرب ازدهرت الكوميديا بشكل ملحوظ وكذلك الأفلام الموسيقية كرد على مآسي الحرب وكوارثها، كذلك ظهرت في هذه الفترة أفلام الرعب التي كانت تستخدم المؤثرات بشكل ضئيل بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، كذلك ظهرت أفلام الخيال العلمي وقد شهدت هذه الفترة إنتاج أفلام مهمة مثل «كنز سيبرا مادري « لجون هوستون عام 1948 . « دروكسي هارت «لويليام ولمان عام 1942 «، الشيخ الأبيض « لفليلني عام 1952، كذلك اي فتيلوني «لفليني عام 1953والذي نال عليه جائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقية السينمائي و «الحس» لفسكوتني عام 1952 وغيرها من الأفلام، ليأخذ البناء الفيلمي شكلا أكثر حداثة من الأفلام التقليدية التي سادت قبل هذه الفترة وبدأ بعد ذلك ظهور التجهيزات المتطورة للفيلم من تقنيات وديكور وغير ذلك وبدأت الأفلام من شتى الدول تدخل إلى هوليود، وبدأت السينما تقتحم مواضيع أكثر نضجا، وانتشرت الأفلام الملونة والتي بدأت تطغي على الأفلام الأسود والأبيض، ودخل التلفزيون كمنافس للسينما مما خلق وابرز المنافسة حول نوعية الفيلم المنتج وجودته وقوة بنائه الفني والمعماري،
يؤشر هنا تأثير الظرف الاجتماعي والزمكاني على بنية الفيلم المعمارية فقد رفدت الحرب الفيلم بمواضيع مهمة كانت اساسا في بنائه الدرامي وكان الرد على ما حصل في الحرب من ماسي هو افلام لم تكن سائدة بشكل ملحوظ مثل الافلام الموسيقية وافلام الرعب والخيال العلمي التي شكلت بظهورها بناء معماريا جديدا للفيلم الروائي.
يعتبر العام 1967 بداية مرحلة الفلم الحديث بدأت بإنتاج فيلمي « الخريج»، « وبوني وكلايد» عام 1967، وظهرت السينما مثل السينما الحرة الأندر كراوند السينما التعبيرية والسينما الشاعرية وغيرها وكذلك أنتجت العديد من الأفلام التي تعالج مواضيع سياسيه مهمة خصوصا مع انتشار الأفكار اليسارية في أوروبا في تلك الفترة وكانت أفلام « زد «لايف مونتان و»الفراشة» لداتسن هوفمان مثالا على مثل هكذا أفلام.
يقول النقاد والمؤرخون ( ان هوليود في هذه الفترة الممتدة من عام 1967_ 1979 أصبحت تعرف حقاً كيف تصنع افلاماً ).
وظهرت في هذه الفترة أسماء مهمة مثل فرانسيس كابولا وداستن هوفمان ومارلين مورو التي تعد أسطورة السينما الأميركية- وقد اتخذ بناء الفلم والشكل المعماري أقصى درجات الاهتمام من قبل صانعي الأفلام خلال هذه الفترة نتيجة للمنافسة القوية التي سادت حينذاك يعد العام 1977 بداية العصر الحديث للفيلم ، عندما أنتج فيلم (( حرب النجوم )) الذي يعد اول اسهام للكومبيوتر والتقنية الحديثة في تصميم المؤثرات الخاصة بشكل واسع ومؤثر ، وفي هذه المرحلة بدأ انتشار الكمبيوتر والفيديو المنزلي واعتمدت هذه المرحلة اعتماداً كبيراً على الميزانية الضخمة بدلاً من النص والتمثيل وشهد العقدان الأخيران تصاعداً في العلاقة بين صناعة السينما وينما الثورة المعلوماتية التكنلوجية الهائلة وأنتجت أفلاما تعتمد التكنولوجيا الرقمية مثل «الحديقة الجيوراسية لسبيلبيرغ وسلسلة افلام الفاني لأرنولد»، وقد اثرت كل هذه المراحل على بنية الفيلم وتطوره في انتقاله من التقليد الى المعاصرة والحداثة المستمرة التي قد تصبح أفلامها مستقبلاً تقليدية لتشهد افلام حداثوية جديدة ، خصوصاً وان التجريب والتطور العلمي مستمر من دون توقف .اخيرا يرى الباحث ان البناء المعماري للفيلم قد مر خلال العقود العشر المنصرمة بتطورات عدة حددت ملامح شكله في كل فترة ، فللعشرينيات طرازها المعماري على صعيد البناء والازياء
وطريقة العيش – وكذلك بقية العقود اللاحقة ففن العمارة في العشرينيات وأزياء الاربعينيات وموسيقى الستينيات هي غيرها في سنين السبعينيات والثمانينيات والاخيرة غيرها في تسعينيات القرن وبالتأكيد هي غيرها الان ، وبما ان الفيلم السينمائي يحاول دائما ان يحاكي الواقع ، كذلك فهو يتأثر بما تتميز به تلك الفترة . وهذا التأثر ينعكس على بناء الفيلم وشكله المعماري الناشئ تبعاً لمرحلة ما .كذلك فان التطور التكنلوجي الذي لا يتوقف له الاثر الكبير على بنية الفيلم وشكله المعماري .

المصادر
1 – مالكم براد بري ، وجيمس ماركفارلن، الحداثة ، دار المأمون للترجمة والنشر، بغداد،1987.
2 – لوي دي جايني ، فهم السينما ،دار الرشيد للنشر ، بغداد ،1981.
3 – س رافيدران ،البنيوية والتكنيك، دار الشؤون الثقافية ، بغداد2002.
4 – خالد ربيع السيد ، الفانوس السحري ، مؤسسة الانتشار العربي، حائل ،2008.
5 – علاء عبد العزيز ،الفيلم بين اللغة والنص، سلسلة الفن السابع، دمشق ،2008.
6 – محمود عبد الواحد ، عالم لويس بونويل، سلسلة الفن السابع،دمشق،2001.
7 – حمادي كيروم، الاقتباس من الحكي الروائي الى الحكي العلمي، سلسلة الفن السابع، دمشق ،2005.
8 – سيتورات كريفتش فن صناعة المسرحية دار المأمون للترجمة والنشر ، بغداد ،.1986

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة