الحضور الفاعل للأفلام الوثائقية

حققت الأفلام الوثائقية الكثير من الجوائز وحازت على اهتمام ومتابعة الجمهور لها، في عديد المهرجانات التي عرضت فيها، هذا الاهتمام لم يأتِ اعتباطا ، بل جاء نتيجة اسباب عدة، لعل أولها ، المواضيع الواقعية التي تطرحها هذه الافلام ، والصلة القريبة لها مع المتلقي الذي ربما يشاهد العديد من الاحداث اليومية تمر أمامه ، اما من خلال مشاهدته لها بشكل مباشر، او من خلال متابعته لها في شاشات التلفاز ، او عبر أثير الاذاعات، لكن الامر يختلف عنده فيما لو شاهدها كاملة وموثقة من خلال فلم سينمائي، نفذ بإخراج متقن.
يعد الفلم الوثائقي نوعاً تأسيسياً من الافلام التي انتجتها السينما منذ اكتشافها قبل اكثر من قرن من الزمان، فضلا عن كون الفلم الوثائقي احد اهم انواع الافلام التي لها مساس مع جوانب عديدة من حياة الانسان وواقعه المعاش، لان فلسفة الفلم الوثائقي تعتمد اساسا على الواقع واستنطاق حقائقه، أي عملية كشف الواقع للوصول الى اعماقه غير المرئية بشكل مباشر، من خلال معالجة العديد من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية التي تعاني منها المجتمعات الانسانية، فعملية ابراز المسببات الحقيقية للمشكلات، وطبيعة الاماكن الحقيقية التي اشتملت على الافعال الواقعية، بكل ما تحمله من بساطة وتعقيد، سواء من خلال النقل المباشر لها، او اعادة تمثيل الحدث، أي بناء الوثيقة بظروفها الموضوعية القياسية، كل هذه سمات اساسية في بنية أي فلم وثائقي، فضلا عن الافلام التي تتناول حياة الحيوان، والنبات وموضوعات الفلك، والتاريخ، اذ ان العديد من الافلام الوثائقية مثلت وثائق مهمة يرجع اليها الباحثون، في دراسة مكان ما في زمن ما، والتي مرت بها مجتمعاتنا الانسانية، فالتجارب الاولى البسيطة التي صورت الواقع بعفوية اضحت فيما بعد، افلاما تكشف عن الكثير من الحقائق، بل وتنافس الافلام الروائية من حيث الاهتمام والمتعة، فضلا عن المعرفة الحقيقية، واصبح لها اهتمام واسع من المشاهدين في شتى انحاء العالم، هذه الافلام لم تعد حكرا على دور العرض السينمائي، بل ان نسبة مشاهدتها على شاشات التلفاز، اصبحت متعاظمة، والدليل ان هناك قنوات فضائية متخصصة في انتاج الافلام الوثائقية وعرضها، لما لهذه الافلام من سمات جمالية ترتبط بالواقع والحقيقة، لاسيما بعد التطور التقني الهائل في الآت التصوير والمونتاج، وأثر هذه التطورات في توظيف عناصر اللغة السينمائية، وفي تناول الواقع بشكل جمالي فني مؤثر، بل من اثر اكبر على الانواع الفلمية الوثائقية وهي تقترب من موضوعات لم تكن سابقا متاحة مثل افلام الحيوان او افلام الفلك، وكذلك العديد من الموضوعات الاخرى . ويأتي هذا الكتاب لدراسة الكيفية التي يتم من خلالها تناول السينما الوثائقية للواقع .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة