بادئ ذي بدء لابد من الاقرار بأن الاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات هي حق من حقوق الشعب العراقي التي ارسى قوانينها الدستور تحت مظلة الحريات العامة – وهي حرية النشر – حرية التعبير عن الرأي – حرية التظاهرات -حرية الاعتصام – حرية تأسيس الاحزاب والمنظمات والمنتديات – حرية المرأة وغيرها وبالتالي فان القول بأن العراق بلد تعددي ديمقراطي يبقى منقوصا من دون ان تكون هناك ضمانات لتطبيق وسريان هذه الحريات واذا كان الحراك الجماهيري الأخير مثل منعطفا في التعبير عن الرفض للسياسات التي تنتهجها المؤسسة التنفيذية والمؤسسية التشريعية والمؤسسة القضائية فان التعامل مع الاحتجاجات ينبغي أن يتم تحت طائلة الدستور وليس تحت طائلة ماتؤمن به الاحزاب السياسية التي يتمتع بعضها بنفوذ وتأثير على مراكز القرار من هنا ينبغي أن نشير إلى بعض المعطيات في هذا المجال ابرزها أن مستوى الانتهاكات التي ارتكبت على مدى خمسة عشر عاما والتجاوزات على منظومة القوانين التي جاء بها الدستور مثلت تراجعا عن النهج الديمقراطي والتعددي وفي السنوات الأخيرة أدت بعض الممارسات إلى نسف هذه الديمقراطية من دون ان تكون هناك مساءلة لمن كان متسببا بها كما ان ملف الفساد المتنامي في العراق والذي شاعت ثقافته في مؤسسات الدولة شكل نقطة سوداء في التاريخ السياسي العراقي وكان احد اهم المحركات التي دعمت الاحتجاجات واسهمت في هذا الرفض الشعبي للسياسات القائمة فيما صنع التهميش واللامبالاة في التعامل مع حاجات جيل جديد من العراقيين من قبل الحكومات السياسية المتعاقبة صنع فجوة كبيرة بين هذه السلطة وبين الشباب تعرضت فيه الدولة إلى اهتزاز كبير في العلاقة وفي العقد الاجتماعي بين النظام والشعب وفي مفصل مهم كان غياب الهوية الوطنية والاصرار على تقديم الهويات الطائفية واللونية والمذهبية والحزبية احد اهم الأسباب التي اسهمت إلى حد كبير في هذا الانحدار السياسي والامني والاقتصادي والاجتماعي وقد دعم هذا الغياب التدخلات الاقليمية وانسياق بعض مفاصل السلطة خلفها تراجعا كبيرا في التثقيف والتوعية بالامن الوطني وخلق فراغات امنية كبيرة تمثلت باختراقات واسعة للمعلومات وتهديد سيادة العراق والتعريض والتشهير بسمعة الدولة وهيبتها والانتقاص منها وفي ضوء هذه المعطيات ينبغي إعادة النظر بفلسفة النظام السياسي في العراق واعادته إلى حاضنة الجمهور بعد هذا التباعد والافتراق من خلال رسم سياسات عامة جديدة تنبثق من قانون انتخاب جديد ينهي فصول الاستحواذ الحزبي على مقدرات السلطة وهذا يتأتى بالتعاهد على تعديل الدستور وعرض التعديلات على استفتاء شعبي واستبدال مفوضية الانتخابات بمفوضية قضائية وانهاء التدخلات الحزبية في عملها والتعامل مع حركة الاحتجاج بنسق حضاري وانساني وبما يتوافق مع مباديء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حتى يمكننا تحصين العراق من الاتهامات التي بدأت تتصاعد في النظام السياسي من الانتهاكات التي بدأت تتصاعد في المحافل العالمية وتحاول نعت العراق بنعوت الاستبداد مجددا
د. علي شمخي