الإنسان العاقل !

ثمة من يرى أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يحترف العبث، ويوغل في الأذى، ويصر على الخراب، في هذا الكون. في حين تحجم الكائنات الأخرى عن مثل هذه الأفعال، وتؤدي دورها في استمرار الحياة، وبقاء النوع، على أكمل وجه.
ويرجع السبب في ذلك إلى أن الإنسان مخلوق عاقل، يتمتع بقدرات لا تملكها الكائنات الأخرى، ولا تستطيع مجاراته فيها.
قديماً كان العلماء يعرفون الإنسان بأنه حيوان عاقل، لكنهم عدلوا عن ذلك بعد مدة، لأنهم وجدوا أن تعريفاً كهذا يحوي نقطة ضعف، وهي أن فقدان العقل لأي سبب من الأسباب، لا يخرج صاحبه من الإنسانية.
وربما أدركوا كذلك أن العقل ليس دائماً موضع فخر للبشرية،لأن هذا العقل، رغم ما فيه من إمكانات، هو سبب الدمار الذي حدث في هذا الكون. وهو العلة وراء ما سيصيبه في المستقبل من كوارث!
إن ما ينتظر الأرض من تغييرات بسبب الحرق المفرط للهيدركربون مثلاً، لا يمكن إلا أن يصيب المرء بالصدمة. فقد ارتفعت معدلات درجة الحرارة في هذا الكوكب أكثر من درجتين مئويتين حتى الآن. ومن المتوقع أن تزداد بنهاية هذا القرن إلى 8 درجات. ومعنى ذلك ببساطة هو تصحر مساحات شاسعة من الأرض، ومنها البقاع التي نعيش في شطرها الجنوبي. والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يقوم بهذه الفعالية على وجه الأرض.
في بلادنا نحن يقوم الناس بتدمير الغطاء النباتي الذي يعمل على خفض درجات الحرارة هذه، فضلاً عن امتصاص الكاربون، وحجز موجات الغبار، ليس في المزارع والبساتين فحسب، بل في الحدائق العامة والمنزلية أيضاً. والنتيجة واضحة للعيان. فقد استطال الصيف حتى بدا أنه الفصل الوحيد في العام، واختفى فصلا الربيع والخريف من الوجود تماماً. ولو لم يكن الناس يمتلكون العقل لما فعلوا هذا.
أما الملوثات الأخرى مثل النفايات غير القابلة للتحلل، فهي تملأ كل مكان. ولم ينجح الناس في هذه البلاد في تنفيذ مشروع واحد لتدوير هذه النفايات للتخلص منها بشكل مؤقت على الأقل. فالعقل البشري الذي يؤثر المال والسلطة والأنا لا يسمح بمثل هذا الحل في هذه الحقبة بالذات!
لم يحدث أن قام ديناصور، أو تنين، أو فيل، أو وحيد قرن، أو فرس نهر، أو ذئب، بإحداث أي شرخ في الطبيعة. صحيح أن هذه الحيوانات التي انقرض بعضها ومازال البعض الآخر ينتظر دوره في الانقراض على يد الإنسان، تتغذى على بعضها البعض، إلا أنها لم تتسبب في أي أذى للأنهار أو البحار أو الغابات كما هو ديدن الإنسان العاقل منذ وقت طويل!
ألم يكن العلماء محقين في مراجعة التعريف السابق للإنسان أنه حيوان عاقل؟ حتى لو كان السبب الذي دفعهم إلى تعديله يختلف تمام الاختلاف عن موضوع الدمار الذي يخلفه هذا العقل على مستقبل البشرية؟

محمد زكي ابراهيم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة