يصعب القول ان التجربة الديمقراطية في العراق اكتسبت النضج مع وجود كثيرين داخل السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية لا يعون جيدا الادوار الملقاة على عاتق كل جهة وحينما تتعدد مشاريع القوانين و القرارات التي يتم الاختلاف حولها داخل قبة مجلس النواب ويتم اللجوء فيها الى السلطة القضائية فان هذا يعني بان استيعاب مفردات الدستور وفهمه بشكل دقيق مايزال بعيد المنال كما ان الجدل المستمر والتصادم بين الحكومة ومجلس النواب حول الادوار والصلاحيات يترك هو الآخر شعورا سلبيا لدى المواطن العراقي حول التداول السلمي للسلطة ويضعف الثقة بالشعارات التي تتحدث عن ترسيخ اسس دولة المؤسسات التي تنادي بها جهات واحزاب مشاركة في العملية السياسية وتتسع مظاهر اللاوعي عند فئات اخرى في المجتمع العراقي حينما يجري اطلاق الاحكام على الكثير من الفعاليات السياسية والممارسات والمبادرات من دون معرفة او فهم عميق للعمل السياسي.
فهناك من يحرم وحده توجيه الانتقاد للمناصب العليا عند الفشل في اداء المهمات وهناك من يرفض الرأي الآخر عندما يجد افكارا مضادة لفكرته والاغرب منه هو محاولة إعمام قائمة الممنوعات على اهم مؤسسة تشريعية معنية بصيانة الحقوق وشيوع الحريات العامة الا وهي قبة البرلمان التي تتخذها السلطة التشريعية كسلطة لمراقبة الاداء العام للنظام السياسي وتقويم هذا الاداء وحمايته من اية انتهاكات او تعسف او فساد قد يصيب مفاصله ومثل هذه المؤسسة وكما هو متعارف في دول العالم الاخرى التي تشيع فيها الديمقراطية هي المكان الارحب للتحدث بصوت عال والمكاشفة والمصارحة وتصل المناقشات فيها الى حد الاحتدام والتصادم اللفظي وحتى الجسدي من اجل الدفاع عن حقوق المظلومين او كشف الفاسدين تحت شعار المصالح الوطنية العليا مع احترام السياقات الدستورية في تبادل الآراء وصيانة حقوق اعضاء السلطة التشريعية التي اقرها الدستور ولا غرابة في هذا الامر فهؤلاء هم ممثلو الشعب يغضبون لغضبه ويرضون لرضاه ومن غير المقبول نعت من هو عصبي المزاج او سريع الانفعال او شديد الانتقاد بالخيانة او نعته بنعوت لااخلاقية وان اختلفنا مع هذا الأنموذج او كرهنا طريقتهم في التعبير عن آرائهم ومع دعواتنا لهم بأهمية التحلي بأقصى درجات الكياسة والهدوء في عرض طروحاتهم الا انهم في النهاية يمثلون السلطة التشريعية ولهم الحق في قول ما يشاؤون من دون تعريض انفسهم الى الاعتداء والتجاوز على حقوق الاخرين ولربما كان هذا الصوت الضاج والمنفعل انفع واشجع من الصوت المنخفض وافضل ممن هو صامت لاينفع ولايضر داخل قبة البرلمان ..
وعلى وفق هذا الفهم وعلى وفق هذه الرؤية نفسر مظاهر الخصام وتبادل الاتهامات بين بعض اعضاء مجلس النواب وبعض عناوين السلطة التنفيذية او العناوين الاخرى حتى لو تم رفع الحصانة البرلمانية عنهم اما انتقال ميادين الاختلاف وتبادل الاتهامات عبر وسائل الاعلام الاخرى ومن ضمنها منابر التواصل الاجتماعي فتلك قصة اخرى لها احكامها الخاصة يفصل فيها القضاء وهي بالتأكيد تمثل حالة صحية في بلد امن بالحريات العامة وهي مظهر سليم من مظاهر حرية التعبير عن الرأي التي غابت عن العراق عقود من الزمن ولم يألفها بعد قاصرو الفهم ومحدودو الوعي الذين يحاولون تكريس الاستبداد والتخلف السياسي واعادة الدولة الصنمية الى الوجود مرة أخرى .
د. علي شمخي