-1-
اذا كان المال يأسر فريقاً من الناس فيدورون مَدارهُ ، ويُفنون أعمارهم بتجميع الأكداس منه ، ولا يجودون بشيء مما عندهم لا للفقراء والضعفاء ، ولا للمشاريع الانسانية ، ويغمضون أعينهم عن كل الحاجات المشروعة لا يعينهم من قريب أو بعيد اغاثة لهفان أو مساعدة مكروب أو القيام بمتطلبات علاج انسان بائس يتضور أًلَمًا …،
فانّ هناك فريقاً آخر يبرء من كل ألوان التشرنق المقيت حول المال ، ويتطلع الى أنْ تكون إسهاماتُه المالية في حقول البر والخير أبرز (انفاقاتِهِ) بحيث لا يُبقي لنفسه من (ايراداته) الاّ القليل…!
-2-
ولو تتبعنا بِدّقةٍ أحوال اولئك الذين يحبسون أموالهم دون انفاقٍ لها في مجالات النفع الانساني ، نجد أنَّ أكثرهم يعيشون كما يعيش الفقراء وهم اثرياء ويقتّرون حتى على أنفسهم فضلاً عن الآخرين ، ثم تتبدد تلك الأموال بايديالحوادث والوُّراث ولا يبقى الاّ الحساب الالهي العسير على كلّ درهمٍ منها ، وهذا هو الخسران المبين حيث لا دنيا ولا آخرة .
وعلى العكس من ذلك نجد أنَّ أصحاب النفوس السمحة ، والأيدي الطليقة بالانفاق البار، ينعمون بحياة مطمئنة ولذاذاتٍ انسانية كثيرة ، تنعشهم وتملأ نفوسهم بهجة ونشوة ، لما قدّموه من معونات ومساعدات لمن كانوا بامسالحاجة اليها …
وقد تَطرُقُ ابوابَهُم المكافاءاتُ والمفاجئات مِنْ حيثُ لا يحتسبون …
ذلك ان الانفاق في سبيل الله ، يُثري المال ويضمخه بعبير البركة …
قال تعالى :
( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبّة والله يُضاعف لمن يشاء والله واسع عليهم )
البقرة / 261
وقال :
( وما تنفقوا من خيرٍ يَوَّفَ اليكم )
الانفال / 60
فالعوائد والفوائد ليست كلها مؤجلة الى يوم الدين ..
-3-
وقد قرأتُ اليوم خبراً طريفا يقول :
{ انّ معلّما كينيّاً فاز بمليون دولار لاحسانه الكبير }
وحيث انّ هذا الخبر يثير العديد من التساؤلات فلا بد من توضيحِهِ :
هناك جائزة عالمية تنافسيّة تبلغ قيمتها مليون دولار ، وتقدّم تكريما لأحد المعلمين المتميزين في كل عام .
و(بيتر تابيتشي) – وهو معلم العلوم كان يقدم (80) في المئة من دخله لمساعدة الفقراء في قرية (بواني) النائية ، حيث يشكل الأيتام ثلث عدد الأطفال
ولقد اختير هذا المعلم الانساني من بين عشرة آلاف مرشح ، ومُنِحَ الجائزة المذكورة خلال حفل أقيم في دبي .
وهو أول معلم أفريقي يفوز بالجائزة التي تمنحها مؤسسة ( فاركي) …
أقول :
ليس مستغربا على الاطلاق أنْ يرسو خيار المؤسسة المانحة للجائزة العالمية السنوية على رجل آثَرَ الفقراءَ وخَصّصَ لهم الجزء الأكبر من دخله ..
انّ الجائزة جاءَتْهُ مِنْ حيث لا يحتسب، وهكذا تنهمر الألطاف والنِعَم على المحسنين من حيث لا يحتسبون لا فرق في ذلك بين الناس أجمعين .
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
فلن تضيع ذرّة من الاحسان …
ولا بُدَّ أنْ تصل آثاره الايجابية الى المحسنين ولو بعد حِين
وهنا تكمن العظة .
حسين الصدر