دغل «الربيع العربي»

جمال جصاني

بعد فضيحة السقوط السريع لمحافظة الموصل، أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد، بيد تنظيم ما يسمى بدولة العراق والشام الاسلامية (داعش). كشف هذا التنظيم عن قدرات وامكانات تبدو للوهلة الاولى استثنائية وغير طبيعية، خاصة بعد تعرضه لهزائم مبكرة بعد الاعلان عن تأسيسه في مواجهاته مع فصائل المعارضة الاخرى ومنها شقيقته في المنهج الهمجي والتكفيري (جبهة النصرة) المدعومة من زعيم القاعدة ايمن الظواهري. ان الانتصارات الخاطفة التي حققها في شمال وغرب العراق كشفت عن حقائق حاول البعض من المستثمرين في حقول خيباتنا السياسية الراهنة اخفاءها والتستر على معطياتها الفاقعة. على رأس تلك الحقائق؛ ان تلك الغزوة اطاحت بالمساحيق الغليظة لسدنة الفتح الديمقراطي المبين وكشفت عن زيف وهشاشة الأورام الحكومية التي اوجدوها على وفق خارطة الدمار الشامل للمحاصصة العرقية والطائفية والقبلية، حيث عرف العالم كله المعنى الحقيقي لعبارة المغفور له ماو تسي تونغ (نمر من ورق). ومن خلال عملية التعرية العميقة والشاملة والضرورية هذه، كسرت دائرة الركود التي تلبست لا المشهد العراقي وحسب بل امتدت الى تضاريس واسعة من بلاد «خير أمة» حيث كشفت داعش عن دورها الحقيقي بوصفها مخالب وجوارح الرسالة الخالدة وثوابتها التي وضعتنا في ذيل الامم التي لم تصل لسن التكليف الحضاري بعد. ومن يتابع بدقة مسار تطور هذا التنظيم ونوع الامكانات والمواهب والملاكات المتخصصة التي انخرطت في صفوفه، وخاصة في المجال الأشد فتكاً (الدعاية والاعلام) يتحسس نوع القوى وغاياتها النهائية العابرة لرطانة وضجيج العجاج الداعشي المتضخم حالياً. 

ان هذا الانجراف الخطير في مسار الاحداث والتصدعات التي شهدناها بعد الموجة الاولى من «الربيع العربي» الى حيث المسارب الخطرة، حيث تتحول مقاديرنا التاريخية ومحور الصراع، بين قوى الاستبداد والقهر والتخلف من جهة والقوى الفتية التي لم تعد تطيق كل ذلك القهر والانحطاط، الى صراع بين ممثلي المؤمياءات المنحدرة الى مضاربنا من مغارات «الهويات القاتلة» هذا الانعطاف الخطير والمميت، والذي تقافز من ردهاته كل هذا السيل من قوافل الردة الحضارية؛ لم يأت من فراغ، كما ان التخصيب الذي أوجد داعش وغيرها من المبتكرات المقبلة، يستمد حيويته من حقول القيح واليباب الممتدة من الماء الى الماء ومن النفط الى الغاز، وفي نهاية المطاف لن تمنحنا الصناديق والعبوات البنفسجية بركاتها، قبل تجفيف مغارات ومتاريس ومستنقعات القيح ودغله المترصد لكل التطلعات البوكوية المارقة..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة