من بين الأزمات التي لا تهدد اقتصاد البلد، بل وجوده وكيانه الدستوري والقانوني، أزمة الموازنة العامة للدولة. الموازنة، كان من المفترض إقرارها في بداية العام الحالي، لضمان استمرار سير المرافق العامة للدولة. فلا غنى عن الموازنة في إدارة الدولة، وذلك لتعلق فعاليات الصرف والاستثمار بها. ما حدث ويحدث اليوم، أن الموازنة لم تقر من قبل مجلس النواب لحد الآن، والسبب هو عدم إرسالها من قبل الحكومة المستقيل رئيسها. ولا يمكنها في الوقت الحاضر إرسالها بسبب أنها حكومة تصريف أعمال وغير جائز قانونا إرسال مشروعات القوانين ومنها قانون الموازنة. وتم انتظار تشكيل حكومة جديدة كي تتولى القيام بواجباتها القانونية والدستورية الملحة ومنها إرسال قانون الموازنة الى البرلمان لغرض المصادقة عليه. ولكن للأسف، لم يتم التصويت على تلك الحكومة ليعود الوضع الى المربع الأول: حكومة تصريف أعمال! وتبقى الموازنة معلقة لا في البرلمان ولا في الحكومة.
جوانب خطيرة ومهمة في الموازنة الخاصة بالعام الحالي، تستدعي تدخلا عاجلا من الجهات المعنية، وتتمثل تلك الجوانب، بعدم استقرار أسعار النفط، والاستمرار بالانخفاض بسبب انتشار مرض» كورونا» الذي سبب توقف مصانع داخل الصين، كانت تستهلك كميات من النفط العالمي، إضافة الى المخاوف من انتشار المرض بشكل أوسع. وبرغم أن سعر برميل النفط حاليا المثبت في قانون الموازنة أكثر من السعر الحالي، إلا أن العجز المعلن عنه، كبير جدا، لدجة عدم امكان تلافيه بأي شكل من الأشكال. فكيف باعتماد السعر الحالي الذي يعني ازدياد حجم العجز الى حد، تهديد الاقتصاد برمته. الحكومة والبرلمان، تنصب أعينهم على الحلقة الأضعف والأهم في الموازنة وهي رواتب الموظفين. فهي الوحيدة التي يتم تلافي عجز الموازنة من خلالها، عبر تقليلها أو تقليصها، في حين هنالك أبواب للصرف كبيرة جدا، وغير ضرورية وأكبر من رواتب الموظفين، ولكن لا يتم الحديث عنها، ناهيك عن السرقات الكبيرة المستمرة والتي تتخذ من القانون غطاءً لها، من دون رادع حقيقي من قبل الجهات المختصة. إضافة الى التقارير الصحفية التي تتحدث عن تحويل أموال الى إقليم كردستان من دون المرور بالموازنة العامة. رواتب الرئاسات الثلاث، والموازنات التشغيلية والانفاق غير المهم، والسرقات التي لا يحاسب عليها أحد، كلها منافذ واسعة لهدر المال العام، والضغط على الموازنة. لو تم التعامل معها ومحاسبة الفاسدين واسترجاع الأموال المنهوبة والمسروقة، والتعامل الصارم والحازم مع المال العام، لكان العجز أقل بكثير مما هو عليه الآن. رواتب الموظفين مهمة، فهناك عائلات تعيش على تلك الرواتب، والمساس بها يعني المساس بقوت تلك العائلات. حجم الوظائف الحكومية الكبير والذي يشير البعض الى وجود تضخم في أعداد الموظفين، والاقبال المستمر والطلب المتزايد على الوظائف الحكومية، مرده الى إنهاء القطاع الخاص، وتقييده بمجموعة قوانين وتعليمات وروتين أدى إلى توقف تام للقطاع الخاص، ذلك القطاع، يمكنه استيعاب اعداد كبيرة من الخريجين، وبالتالي تقليل الضغط على الوظائف الحكومية.
الحكومة، مطالبة بتفعيل القطاع الخاص ومنح المستثمرين حرية واسعة في العمل الحر، وتوفير البيئة الاستثمارية المطلوبة والكفيلة بالبناء والاعمار، بعيدا عن موازنة الدولة. ولكن الفساد المالي والإداري، يمنع هذا الأمر.
سلام مكي