متابعة الصباح الجديد:
صدر عن منشورات المتوسط في إيطاليا، خامس كتُب سلسلة “مختارات الشعر الأمريكي”، لأحد أبرزِ الأبناءِ الشِّعْرِيِّيْن لوالت ويتمان، الملقَّب بشاعر “الشَّعب” الأميركي كارل ساندبرغ؛ بعنوان: “كصديق رائع يتذكَّر”، اختيار وترجمة الشاعر والمترجم سامر أبو هوَّاش.
وكانت المتوسّط قد أصدرت أربعة كتب من سلسلة “مختارات الشعر الأمريكي” بإشراف وترجمة سامر أبو هواش، وهي: “الحياة ساكسفون في فمِ الموت” لبوب كوفمان، “خريفٌ يقفُ خلف النَّافذة” لريتشارد رايت، “شمسٌ تدخلُ من النافذةِ، وتُوقِظُ رجلاً يسكبُ القهوةَ على رأسِهِ” لرَاسِلْ إدْسُن، و”النوم بعين واحدة مفتوحة” لمارك ستراند.
لا ينطلقُ كارل ساندبرغ في شِعْرِهِ، يُفصِّل سامر أبو هوَّاش في مقدمة الكتاب، من نظريَّةٍ جاهزةٍ حولَ الكتابةِ الشِّعْرِيَّة، لا يفترضُ نفسَهُ سليلَ تقاليدَ شِعْرِيَّةٍ راسخةٍ، ولا ثائراً عليها، ولا فاتحَ دروبٍ جديدةً، وقد يبدو هذا مُستغرَباً بعضَ الشَّيءِ، في وقتٍ كان الغربُ برُمَّتِهِ، قبلَ الحربِ العالميَّةِ الأولى وخلالها وبعدها، يغلي بالتَّيَّاراتِ الأدبيَّةِ والفكريَّةِ والفلسفيَّةِ والفنِّيَّةِ، التي سَعَتْ إلى إعادةِ تعريفِ الشَّرطِ الإنسانيِّ، تحتَ وطأةِ الثَّورةِ الصِّناعيَّةِ، وما أحدثتْهُ من تحوُّلاتٍ هائلةٍ في الوَعيِ الجَمْعِيِّ، وفي العلاقاتِ الاجتماعيَّةِ، وفي بنيةِ السلطةِ السِّياسيَّةِ والدِّينيَّةِ والأبويَّةِ، إلَّا أنَّ ساندبرغ لا يبدو مشغولاً بكلِّ هذه الانشغالاتِ، إذ لا يأتي على ذِكْرِ الحداثةِ (أو التقليد) إلَّا عَرَضَاً، متوقِّفاً فقط عند الاشتراطاتِ الشَّكْلِيَّةِ التي تفرضُها القافيةُ على الشِّعْرِ، دون أنْ يُحدِّدَ موقفاً واضحاً من القصيدةِ الكلاسيكيَّةِ، ودون أنْ يتبنَّى، على نحوٍ أيديولوجيٍّ، أيَّ نَمَطٍ من أنماطِ الحداثةِ، بما في ذلك الشِّعْرُ الحُرّ.
ويضيف أبو هوَّاش: قارئُ ساندبرغ، وليس، فقط، ديوانَهُ الأشهرَ ربَّما “قصائد شيكاغو”، سيلمسُ شَغَفَهُ الكبيرَ بالمدينةِ، إذ إنَّ المدينةَ، بكلِّ ما تحفلُ به من تناقُضاتٍ ومشهديَّاتٍ، هي المسرحُ الذي تتكشَّفُ من خلالِهِ فُصُولُ القصَّةِ الجديدةِ التي يريدُ أن يُسْمِعَ صوتَها، ويُوصِلَهُ، وهي ليست قصَّةَ الأُناسِ الكادحين فحسب، بل، أيضاً، قصَّةَ الفردِ العاديِّ، بتقلُّباتِهِ، وصراعاتِهِ، وضَجَرِهِ الوُجُوديِّ، وبَحْثِهِ عن معنىً لحياتِهِ، وهي، أيضاً، قصَّةُ جيلٍ شهدَ حربَيْن عالميَّتَيْن، وشاركَ وتأثَّرَ بهما. ولعلَّ هذا الجانبَ في تجربةِ ساندبرغ، إضافةً إلى خلفيَّتِهِ السِّياسيَّةِ الاشتراكيَّةِ، وتجربتِهِ المِهَنِيَّةِ في عالَمِ الصّحافةِ التي مارسَها لعُقُودٍ، هي التي جَعَلَتْهُ يكتبُ باكراً، ودون قَصْدِيَّةٍ واضحةٍ، قصيدةَ النَّثْرِ، ومَنَحَتْ صوتَهُ تلك الخُصُوصيَّةَ والقوَّةَ اللَّتَيْن جَعَلَتَاهُ يُؤثِّر في الأجيالِ اللَّاحقةِ من الشُّعراءِ الأمريكيِّيْن، بمَنْ فيهم خُصُوصاً شعراءَ “جيل البيت” من أمثال ألن غينسبرغ وغريغوري كورسو، وغيرهما.
أخيراً جاء الكتابُ في 80 صفحة من القطع الوسط.
من الكتاب
هذا أسوأُ ما قد تُوصفِين به، يا مدينتي:
أنكَ تأخذينَ صِغارَ الأطفالِ بعيداً عن الشَّمسِ والنَّدَى،
والأشعَّةَ المتلألئةَ فوقَ العشبِ تحتَ السَّماءِ الشَّاسعةِ والمطرَ المُتهوِّرَ،
وتَزُجِّين بهم بين الجُدرانِ
لكي يعملُوا، مُحطَّمين مُنطَفِئِين، من أجلِ قُوْتِ يومِهم،
لكي يأكلُوا التُّرابَ، ويمُوتُوا بقُلُوبٍ فارغةٍ
من أجلِ حفنةِ قُرُوشٍ في ليلةِ سبت.
عن الشاعر
كارل أوغست ساندبرغ، شاعر ومحرِّر وصحفي أمريكي، ولد في 6 يناير 1878 في غالسبورغ، بولاية إلينوي، لوالدَيْن من المهاجرين السُّويديِّيْن، التقيا وتزوَّجا في أمريكا. انتسبَ في عشرينيَّاته إلى “الحزبِ الاشتراكيِّ الدِّيمقراطيِّ”، ونَشَطَ في صُفُوفِ الحزبِ، في الوقتِ الذي بدأ يُرسِّخُ حُضُورَهُ شاعراً، عبرَ نَشْرِ كُتيِّباتٍ صغيرةٍ ابتداءً من العام 1907، وذلك بتشجيعٍ من أستاذِهِ في جامعةِ غالسبورغ فيليب غرين رايت. غير أنَّهُ لم يُرسِّخْ حُضُورَهُ كصوتٍ شِعْرِيٍّ مُتفرِّدٍ حتَّى عام 1916 حين نَشَرَ ديوانَهُ الأشهرَ “قصائد شيكاغو”، والذي تضمَّنَ كلَّ ما كان قد كَتَبَهُ ونَشَرَهُ حتَّى ذلك الحين. حَصَلَ على جائزةِ “بوليتزر” المرموقةِ ثلاثَ مرَّات، مرَّتَيْن عن شِعْرِهِ، ومرَّةً عن سيرتِهِ الغَيْرِيَّة لإبراهام لنكلن. عُرِفَ بلَقَبِ “شاعر الشَّعب” نظراً إلى أنَّ الكثيرَ من شِعْرِهِ يتناولُ قصصَ أفرادٍ عاديِّيْن من الطَّبقةِ العاملةِ والوُسطى الأمريكيَّةِ. من أبرزِ أعمالِهِ: “قصائد شيكاغو” (1916)، “مُقشِّرو الذّرة” (1918)، “دخان وفولاذ” (1920)، “الألواح والغرب المَسفوع بالشَّمس” (1922)، “صباح الخير، يا أمريكا” (1928)، “قَمَر مبكِّر” (1930)، “الناس، أجل” (1936)، “صخرة الذكرى” (رواية، 1948)، “دائماً، الغرباء اليافعون” (سيرة ذاتيَّة، 1953)، “قصائد الريح” (1960)، “عسل وملح” (1963).