رومانسيات علمية

محمد زكي ابراهيم

في زمن ما كنا مأخوذين بقصص وأفلام الخيال العلمي، التي صدرت إلينا من الخارج. وكان الكثير منا يؤمن أن الحوادث التي يقرأها، أو يشاهدها، ستقع لا محالة. ذلك أن الصياغة الفنية جعلتها أقرب ما تكون للحقيقة.

لم تأت هذه الأفكار من فراغ، ولم يخترعها المؤلفون من عدم. كانت هناك ثورة علمية واسعة النطاق قلبت الموازين فجأة. فقد ظهر في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. علماء كبار برهنوا أن لا مستحيل في هذا العالم. وأن جميع المشاكل التي تكابدها البشرية قابلة للحل. وكانت فاتحة هذه الموجة من الخيال العلمي رواية هربرت جورج ويلز (آلة الزمن) الصادرة عام 1895. تبدو حوادث الرواية مستوحاة من النظرية النسبية. غير أنها صدرت قبل أن يطرح آينشتين أفكاره بخصوص (النسبية الخاصة) بسبع سنوات في الأقل. لقد كانت فكرتها غير مسبوقة وممتعة، تطرقت إلى قضايا اجتماعية مختلفة. ولم يكتف ويلز بهذه الرواية – الثورة بل كتب في ما بعد أعمالاً كثيرة منها (الرجل الأول على القمر)، فكوفئ بذلك في ما بعد بإطلاق اسمه على إحدى فوهات القمر غير المرئية.

في ما عدا ويلز ظهر عدد من الكتاب المهتمين بالخيال العلمي، مثل السير آرثر كونان دويل (مخترع شخصية شرلوك هولمز)، وكارل ساغان، وآخرين. وقد عمل هؤلاء على معالجة قضايا اجتماعية وإنسانية في رواياتهم،  فأطلق بعض النقاد عليها تسمية (رومانسيات علمية)!

وقد انتقل الاهتمام بهذا الفن إلى الكتاب العرب في منتصف الستينات، حينما نشر مصطفى محمود، وهو طبيب وباحث شاب، روايتيه العنكبوت (1965) ورجل تحت الصفر (1966). تناول فيهما مواضيع مهمة مثل الاستنساخ (ولم تكن الأبحاث الخاصة بهذه الفكرة قد انطلقت بعد)، والمواد المشعة، والسفر عبر الزمن، وكانت مواضيع رائجة ومفضلة. لكنه توقف بعد ذلك بعد أن عانى تحولات فكرية وعقائدية. وسار على ذات النهج كتاب لم ينالوا شهرة كشهرته مثل نهاد شريف ونبيل فاروق وغيرهما.

ما يهمني في هذه العجالة الإشارة إلى أن روايات الخيال العلمي أسهمت بشكل أو بآخر بتحفيز الشبان الصغار وطلبة المدارس على الاهتمام بالعلوم الحديثة، وترسيخ الاعتقاد بضرورة التغيير. والإيمان بأن الحياة في المستقبل ستكون خالية من الآلام. على أن القاسم المشترك في كتابات هؤلاء جميعاً هو الخلود. وكان الشغل الشاغل للإنسان منذ جلجامش حتى يومنا هذا. فحاول فك شفرته بمختلف الطرق والأساليب، دون جدوى.

ولأن العرب مازالوا حتى هذه اللحظة مشغولين بقضايا وجودية مثل الخبز، فإنهم لم يتمكنوا من مغادرة هذا الهم. ولم يستطيعوا سبر أغوار المستقبل. وبقيت كتاباتهم تدور حول معاناتهم اليومية. وربما سيأتي اليوم الذي تتصدر فيه واجهات المكتبات عندنا، روايات عربية تتحدث عن الطرق الكفيلة بردم الهوة بيننا وبين دول العالم. فالخيال العلمي هو أحد الوسائل المهمة للتغيير. وأبطاله في الأصل أشخاص مهوسون بالعلم. شغوفون بما يتحقق فيه من معجزات. وما أعظم حاجتنا لمثل هؤلاء هذه الأيام!

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة