عراقي يتخلى عن مهنة أنيقة ليضع بصمة في أهم مطاعم لندن

متابعة الصباح الجديد :

تخلى الشاب العراقي / الآيرلندي، فيليب جمعة عن مهنته الأنيقة في واحد من أهم مصارف العالم في العاصمة البريطانية لندن.

جمعة الشاب المولود في لندن، لأب عراقي وأم إيرلندية، درس الاقتصاد، وعمل في واحد من أهم مصارف العالم في لندن، إلا أن الطهي كان شغفه، وتمرس هذه المهنة هدفه، مشى عكس التيار وتحدى نفسه، واستقال من منصبه في المصرف ليجري وراء حلمه: إيصال المطبخ العراقي إلى العالمية.

وبعد المشاركة في كثير من الفعاليات المهمة في لندن في مجال الطهي، وبعد افتتاح عدة مطاعم مؤقتة على طريقة الـ”بوب آب”، وصل الشيف جمعة إلى “بورو ماركت” (Borough Market) الذي يعد من أكبر وأقدم وأهم أسواق الطعام العالمية في لندن.

في العادة، يقدم الشيف جمعة الأطباق العراقية التقليدية، مثل شتى أنواع الكبة والمحاشي أو الدولمة، على طريقته العصرية الخاصة، غير أنه شعر بالحاجة لتقديم الدعم للمحتاجين في بلده العراق، والجمعيات الخيرية في لبنان بعد المصيبة التي حلت بالبلاد جراء إنفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس آب الماضي، فقرر الشيف جمعة خلق ما سماه “السوبر كلاب” الذي جعل فيه لائحة طعام غنية بالأطباق العراقية واللبنانية، وقدم نصف ريعها للبلدين.

وبرغم من تعقيدات القوانين المرافقة لفيروس كورونا، وما نتج عنها من إقفال للمطاعم، وحد من أدائها وعملها بطريقة طبيعية، فإن سوق الطعام الواقع في شرق لندن يجذب إليه الزبائن بنحو أكبر لأن أماكن الجلوس والطاولات في الهواء الطلق، مما يسمح بالشعور بالأمان، وبالتالي لا تطبق قوانين التباعد الاجتماعي بشكل مزعج فيها.

وقال الشيف جمعة في مطبخه الواقع في سوق “بورو ماركت”، إنه “سعيد جداً لخوضه هذه التجربة لأنه يستطيع من خلالها ضرب عصفورين بحجر، فهو يشعر بالحاجة لدعم أهل بلده العراق، وكذلك شعر بالحزن الكبير لما حل ببيروت، وكان لا بد أن يقوم بشيء للمساهمة والمساعدة، ولو بشيء بسيط، وهو في الوقت نفسه يعشق الطهي، وعمله بالنسبة له ما يزال أشبه بالهواية التي لا يمل منها”.

إذا زار شخص سوق “بورو ماركت”، سيقف عاجزاً أمام الخيار الواسع بين المطابخ العالمية والإثنية بنوعية عالية جداً، وقد يكون مطبخ الشيف فيليب جمعة من أكثرها تميزاً لأنه من الصعب إيجاد مطعم عراقي يقدم الأطباق التقليدية بطريقة عصرية، تدخل فيها المكونات الخارجة عن المألوف في المطبخ العراقي.

وخلال العشاء العراقي – اللبناني، يمكنك الحجز مسبقاً، أما في باقي الأيام، فلا حاجة للحجز، وهناك مساحة واسعة خاصة بمطعم الشيف جمعة الذي يطلق عليه اسم “جمعة كيتشن”، حيث يستقبلك العاملون ويرافقونك إلى طاولتك وسيكون أمامك الخيار لطلب اللائحة النباتية أو إضافة المشاوي والكبة المصنوعة من اللحم. وهنا، يجب الانتباه إلى أن الكمية كبيرة غنية جداً فإذا اراد الزبون تذوق الكنافة الخاصة بالشيف جمعة، فلا بد من ترك مساحة لها في المعدة لأنها لا تقاوم.

وتدخل في لائحة الطعام مقبلات لبنانية، مثل الفتوش والحمص والبابا غنوج، للربط بين المطبخين اللذين يكمل أحدهما الآخر بشكل لافت.

النكهات كانت رائعة، والكبة كانت لذيذة جديدة من نوعها، غنية بالبهارات والمذاق الذي يدغدغ الحواس، ويجعلك تواقاً لتناول المزيد.

الشيف جمعة كان منهمكاً في تحضير الأطباق، إلا أنه عبر عن سعداته الغامرة بردة الفعل التي تلقاها، ليس فقط من الجنسيات العربية إنما أيضاً من الأجانب الباحثين عن مأكولات ما تزال مجهولة بالنسبة لهم.

وبعد عرس زاخر بالأطباق الغنية الثرية، أتى وقت تناول الكنافة التي يقوم الشيف جمعة بتزيين كل قطعة منها بنفسه، فهو يعمل بيده، وشغفه في المطبخ واضح جداً، فيبدو أنه يقوم بمهمة سهلة، غير أن الواقع عكس ذلك لأن مهنة الطهي من أصعب المهن، ولا يمكن أن يبرع بها إلا من ينفذها بحب وشغف.

الأطباق كانت منمقة تقدم على 3 مراحل، بدأت بتشكيلة جميلة للمقبلات، تلتها أنواع الكبة وبعدها المشاوي، وختامها كانت الكنافة التي ابتكرها الشيف جمعة منذ أن أطلق “جمعة كيتشن” عام 2012.

السوق تفتح أبوابها صيفاً وشتاءً وبما أننا على مشارف الشتاء والجلسات خارجية، فينصح بلباس دافئ، كما يمكن زيارة السوق فترة النهار أيضاً. ولكن مع فرض قانون الإغلاق المبكر للمطاعم، فإن المطاعم تقفل أبوابها في السوق عند الساعة العاشرة مساء.

عشاء التبرع للعراق ولبنان مستمر، ولكن الأطباق متوفرة طيلة الأيام، ومن الممكن الاختيار بين كثير منها من لائحة طعام طويلة، تضم كثيراً من المكونات، مثل الهال في طبق الكيلجة والرمان.

وفي لندن، تنتشر كثير من أسواق الطعام، إلا أن “بورو ماركت” هو الاغنى والأكبر، ويمكنك فيه تذوق نكهات العالم كله، والتمتع في رحلة للمشي بين ثنايا القسم الشرقي العتيق للندن الذي يضم كثيراً من الإشارات القديمة لتاريخ لندن العريق.

تخرج الشيف فيليب جمعة من جامعة الاقتصاد في لندن، وعمل في مصرف “يو بي إس” لنحو سبع سنوات وفي كل يوم أمضاه وراء مكتبه، كان يتمزق من الداخل لأنه طالما أحب المطبخ والطهي، ولكنه التزم بعالم المال والأعمال إرضاء لأهله.

وبعد رحلة دامت شهراً كاملاً في فيتنام، تعرف خلالها إلى المطبخ وأسراره وإلى مختلف الأطباق، قرر جمعة ترك عمله في المصرف ليتبع حلمه الأول والأخير؛ أن يكون طاهياً متمرساً يحمل علم العراق من خلال الأكل.

ويقوم الشيف جمعة، إلى جانب مطعمه في سوق “بورو ماركت”، بتحضير المأكولات للمناسبات الخاصة والحفلات، كما يقوم بدور “الطاهي الخاص” في المنازل، ويعد من أكثر الطهاة طلباً في لندن لتحضير المأكولات العراقية التي تميز بها، ووضع بصمته الخاصة عليها.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة