في ذكرى استشهاد الامام الرضا ( عليه السلام )

في 17 صفر 203 هـ 

-1-

للامام الرضا ( عليه السلام) سيرةٌ مضمخة بالمآثر والمكارم ، فلقد ملأ الدنيا بعلومه ومناظراته، وكان الوجه الناصع للامامة الصالحة الرشيدة، وعاش الاسلام بكل ذرة من ذرات وجوده ناهضاً بأعباء الزعامة والرئاسة العامة لشؤون الدين والدنيا ، فتغنت بأمجاده دنيا الرسالة ، وسارت بمواهبه ومناقبه وفضائله الركبان ، وذاع صيته في كل البقاع والبلدان .

-2-

ولقد عاش المحنة بكل فصولها وألوانها يوم كانت السلطة العباسية تلاحق أباه الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام)، وزجّت به في غياهب السجون ينتقل من سجن الى سجن حتى دُسَّ اليه السم في سجن السندي شهيداً صابراً محتسبا .

” يقول بعض شعراء الولاء :

تاللهِ ما فعلتْ أميّةُ فيهُمُ

معشارَ ما فعلتْ بنو العباسِ

– 3-

وفي هذه الأجواء الملبدة بغيوم المحنة والاضطهاد آلت اليه الامامة بعد أبيه وكان الامام الكاظم (ع) قد أوصى بنيه وقال لهم :

” هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد فأسألوه عن دينكم ،

واحفظوا ما يقول لكم ..”

-4-

وقد وصفه ” ابراهيم الصولي ” فقال :

” ما رأيتُ الرضا سئل عن شيءٍ الاّ عَلِمَهُ ،

ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الى وقتِهِ وعصره ،

وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب عنه ،

وكان جوابه كله انتزاعات من القرآن المجيد .

-5-

وقال رجاء بن ابي الضحاك وقد أمره المامون إشخاص الرضا 

( والله ما رأيتُ رجلاً كان اتقى لله منه، ولا أكثر ذِكْرا له في جميع أوقاته، ولا أشد خوفا لله عز وجل الى ان قال :

” وكان لا ينزل بلداً الا قصده الناس يستفتونه في معالم دينهم فيجيبهم ويحدثهم الكثير عن أبيه عن أبائه عن علي عن رسول الله (ص)، فلما وردت على المأمون سألني عن حاله في طريقه فأخبرتُه بما شاهدتُه منه في ليلة ونهاره ، وظعينه واقامته ، فقال :

بلى يا ابن ابي الضحاك هذا خيرُ أهلِ الأرض وأعلمُهم وأعبدُهم “

-6-

لقد جمع المأمون في مجالس له عدداً من علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين فما بقى منهم احد الاّ أقرّ له بالفضل وأقرّ على نفسه بالقصور ..

-7-

قال الصولي :

” ما رأيت أبا الحسن جفا أحداً بكلامه قط ،

وما رأيتُه قطع على أحدٍ كلامه حتى يفرغ منه ،

وما ردّ أحداً عن حاجة يقدر عليها ،وما مدّ رجليه امام جليس له قط ..

وكان اذا نُصِبَتْ مائدتُه أجلس معه عليها ممالكيه حتى البواب والسائس ..”

وهكذا يدعونا الامام الرضا (ع) الى مكارم الاخلاق وفي طليعتها الاهتمام بقضاء الحوائج …

والتواضع في حين اننا نشهد – وللاسف الشديد- ألوانا من الذاتية، وضروبا من الاستعلاء، وقد تفشت بيننا بعيداً عن رحاب سيرته المباركة.

وحين قال له رجل :

” أنتَ واللهِ خيرُ الناس “

قال له الامام :

” لا تحلف يا هذا 

خيرٌ منى من كان أطوع لله وأتقى له والله ما نسخت هذه الآية :

” وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِأَتْقَاكُمْ “

الحجرات / 13

وهو بهذا يؤكد على أهمية التقوى في حياة الفرد والأمة وأين منها من ساقَهُم الانحدار الاخلاقي الى مهاوى الرذيلة والمثيلة ؟!!

-8-

وحين قصده أحد الحُجّاج وقد فقد نفقَتَه ، استبقاه حتى تفرّق مَنْ كان في مجلسه، ثم دخل حجرةً في داره ثم خرج وردّ الباب واخرج يده من أعلى الباب وسأل عن الرجل ، فقال له :

خُذْ هذه المائتي دينار واستعن بها على مؤونتك ونفقتك وتبرك بها ..

واخرج فلا أراك ولا تراني ، وستر وجهه عنه 

وحين سئل (ع) :

لماذا سترتَ وجهَكَ ؟

قال :

مخافة أنْ ارى ذل السؤال في وجهه .

هذه هي الانسانية في أجلى صورها وأحلاها .

-9-

وجاء في سيرته :

كان (ع) :

اذا اراد أنْ يأكل يأمر بالمائدة ويعمد الى أطيب ما فيها من الطعام فيطعمه للفقراء والمساكين 

ثم يتلوا الأية :

( فلا اقتحم العقبة فك رقبه أو إطعام في يوم ذي مسغبة ) 

البلد /10

ثم يقول :

علم الله عز وجل ان ليس كل انسان يقدر على عتق الرقبة فجعل لهم السبيل الى الجنة باطعام الطعام .

-10-

ان الدافع الذي دفع المأمون لجعل الامام وليا للعهد هو محاولته كسب الشرعية، بعد أنْ اهتزت بقتله لأخيه الامين،وقد اشترط عليه الامام الرضا (ع) ان لا يولي ولا يعزل بل يكون مشيراً من بعيد ..

وبهذا حال الامام (ع) بين المأمون وبين ما يريد، وحين راىالمامون اقبال الامة على الامام والتفافها حوله خشى على سلطانه وملكه فدبّر مسألة اغتياله بالسم تخلصاً منه ..

وهكذا قضى الامام الرضا شهيداً غريباً مظلوما .

أعظم الله اجوركم واجورنا بهذا المصاب العظيم 

انا لله وانا اليه راجعون 

وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون .

حسين الصدر 

Husseinalsadr2011@yahoo.com

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة