محمد بنعزيز
ختم الأستاذ تسجيل الدرس عن «الوضع البشري» قبيل منتصف الليل، وحاول إرسال التسجيل الصوتي، عبر واتساب، إلى تلاميذ السنة الثانية بكالوريا. تعذر التواصل، فأعاد الأستاذ الشاب الاستماع للدرس المسجل، وفيه تعريف لهوية الشخص والغير، وتحليل لماضي الإنسان والعلاقة المعقدة بين الذات والآخر والتاريخ. أعاد الأستاذ محاولة الإرسال، فأخبره السيد واتساب أنه قد تم حظر رقم هاتفه بعد عدة بلاغات تشتكي من إزعاج الغير، ومن استخدام سيء للمعطيات. تعجب الأستاذ من هذه الهرطقة، فكتب والنوم يغالبه رسالة للسيد واتساب يشرح له فيها أن هناك خطأ في هذا الحظر، وطالب بالسماح لرقم هاتفه باستخدام التطبيق الفعال. جاء الجواب حاسمًا: هناك تبليغات عن إساءات تسببت في الحظر. في اليوم الموالي، وقف الأستاذ قرب باب فصله، وطلب من فوج التلاميذ الأول الدخول مع الالتزام بالتباعد الاجتماعي، والحفاظ على مسافة الأمان للوقاية من كوفيد 19، أو على الأقل إبطاء انتشاره إلى أن تتمكن أميركا من تلقيح نفسها فتتفرغ لتلقيح العالم. في مستهل الدرس، أخبر الأستاذ تلامذته في الفصل الدراسي أنه قد تعذر عليه إخبارهم بموعد الفرض، وأيضًا إرسال الدرس الجديد مكتوبًا ومشروحًا في تسجيل صوتي. سرت همهمة في الفصل، وسُمعت ضحكات. أعاد الأستاذ الفلسفة شرح الدرس، مذكرًا بقول جون لوك في تعريفه لهوية الشخص بكونه كائنًا عاقلًا قادرًا على التفكير والتأمل. تكررت الهمهمة والضحكات. كان الأستاذ يتحدث من خلف مكتبه، يلتزم بالمسافة القانونية، يقف في مكانه، ولا يتجول في الفصل، كما كان يفعل قبل زمن الجائحة. كان، كالعادة، يتحدث من دون ميكروفون، لذا فصوت حنجرته مبحوح ومجروح. بعد ذلك، طرح الأستاذ أسئلة عن المسافة بين الأنا والآخر، فتلقى أجوبة حبية حول الذات وعدوانية حول الغير. سجل الأستاذ خطاطة للدرس على السبورة، ووعد بإرسال التسجيل الصوتي للدرس لكل الأفواج… وتأسف لأن السيد واتساب قد ارتكب خطأ جسيما حين حظر رقم هاتفه بناء على تبليغات خاطئة زائفة كاذبة. ـ أستاذ، السيد واتساب لا يخطئ. هذا ما قالته تلميذة متفوقة. سألها الأستاذ: ـ كيف عرفت؟ مسحت الفصل بنظرة كأنها تستشير التلاميذ، وأجابت: ـ أستاذ… الحظر سببه التبليغ ضدك. لقد بلغ التلاميذُ عن رقمك لكي لا يتلقوا الدروس ليكتبوها رغم الوباء. ـ ياه. قال أحد التلاميذ: تم القصف بنجاح. شرحت تلميذة أخرى: أستاذ لا تحزن، لأنك لست وحدك، لقد حصل هذا التبليغ ضد أرقام هواتف كل الأساتذة الذين يرسلون لنا الدروس. تهاوى الأستاذ في كرسيه، أمسك رأسه بين كفيه، بعد لحظات شبك أصابعه فوق رأسه وتمتم: ـ سأخبر السيد واتساب بهذا الفعل الاستثنائي المغربي، لعله يرفع الحظر عن رقم هاتفي. رنّ الجرس.