علوان السلمان
النص الشعري، التقاط اللحظة المشهدية بدينامية حركية وتسجيلها، لتحقيق فعلها على نافذة ادراك مستهلكها، فيتأملها مستنطقا عوالمها الصورية التي تعد من المعايير الفنية التي تكشف عن اصالة التجربة الشعرية على صعيد الفكرة والبنية النصية التي تعلن عن انفتاح دلالي لمنتج(شاعر) مستجيب لايقاع الحياة المكتظة بالمشاهد المجازية برؤية واعية…
وباستحضار واستنطاق عوالم المجموعة الشعرية(ضوء على حافة العتمة)..التي نسجتها انامل منتجها الشاعر اسامة القيسي، واسهمت دار الابداع للطباعة والنشر والتوزيع/2020 في نشرها وانتشارها، كونها تتميز بتشكلاتها البصرية ومضمونها الانساني، مع عمق دلالي يتداخل والسياق المجتمعي بقدرة تعبيرية تستنطق اللحظة الشعورية بلغة قادرة على توليد حقولها الدلالية برؤية جمالية،ابتداء من العنوان العلامة السيميائية الكاشفة عن دال مكاني يتداخل والبعد النفسي بفونيماته الاربعة التي شكلت جملة اسمية مستلة من العنوانات الداخلية الموازية،المقترنة بالإهداء والدعوة الموجهة للمستهلك(المتلقي)..
(صديقي القارئ.. نزهة للوقت عند المغيب يمسك الليل خاصرته..يتلوى من شدة التيار المتدفق في نجمه الممتد من جرحي اليه..)..
الليل أوحش يا سياب في بلــــدي
أرى به حلما..نايا بـــــــــلا طرب
حتى الصباح هنا يغتالــــــهم علنا
واصبحوا تهما في غايــــة الطلب
هُمُ الفناجين كم مُرّا بجـــــــــوفهم
وآية الطين ان مروا على القصب
فالنص يتسم بسمات فنية وجمالية اتكأ عليها المنتج(الشاعر)..منها السرد الشعري وتذويب الذاتي في الموضوعي والتركيز على الوجداني بلغة مشحونة بشحنة عاطفية ،تأثيرية ،مع اعتماد التناص الشعري كإجراء تقني وثقافي يحقق التواصل والتفاعل المعرفي،انه (تمثيل عدة نصوص يقوم بها نص مركزي يحتفظ بزيادة المعنى..) على حد تعبير لوران جيني، اذ انه يتضح تناصه ونص السياب(غريب على الخليج) حين يقول:
الشمس اجمل في بلادي من سواها..والظلام
حتى الظلام هناك اجمل.. فهو يحتضن العراق
لكن بصورة معكوسة ناقلة لواقعها اليومي(الليل اوحش يا سياب في بلدي)(حتى الصباح هنا يغتالهم علنا)..فيكشف عن المضمر في النسيج الاجتماعي،وهو يسير في خطين متداخلين:الوصفية والحوارية الذاتية الكاشفة عن سايكولوجية الذات المنتجة التي هي جزء من الذات الجمعي الآخر..
كانت أمي تغزل العفن الممتد من زوايا غرفتها المثقوبة
كانت تحلم في وطن من اربعة جدران..
لايرعبها راس الشهر
كانت تكنس كل هموم الليل بـ (جرغدها)
كانت تحسب كل ضلوع الرب من خلف ثيابه
كنا نسمعها تغني: (أنا عصفورة الشجن // مثل عينيك بلا وطن)
أبي كان شاعرا يعرف ترتيب الآهات
يعزف سمفونية وجع الحرب
حين فقد ظله في حفل النصر المزعوم لم تكن السيجارة الا نايا في فمه
ثمانُ سنين لم يعشق غير وجوه القتلى..
ثمان سنينٍ اختنق الضوء بعينيه
كان ابي يشع حبا وسلاما..لكنه دائما يردد(احنه مشينه للحرب) /ص50 ـ ص51
فالشاعر يستحضر الماضي من الزمن عبر تقنية الاسترجاع بكل واقعيته فيستوحي الفكرة ويسقطها عليه فيعيد(حس الدهشة)على حد تعبير غاستون باشلار، فينتج نصا تميز بعمقه الدلالي وادانته للحروب الخاسرة في كل الاحوال وما ضحيتها الا الانسان الذي كرمه تعالى(وكرمنا بني آدم) ..لأنه القيمة الاثمن في الوجود،ببناء متماسك ولغة يومية فيكشف عن تجربة مكتنزة بفكرتها الانسانية، الواقعية بتوظيف تقنية الوصف اللفظي المركز المقترن بالموروث الشعبي الذي يحمل دلالاته البيئية(الجرغد/المخدة/كاروك/دللول/ياحريمة…)والتي اسهمت في تطوير البناء الدرامي للنص، اضافة الى اعتماده اسلوب التضمين الشعري الجزئي كما في(انا يا عصفورة الشجن//مثل عينيك بلا وطن)من اجل تشكيل قيمة مضافة لقيمة النص الشعري لأنه مرتبط بالذاكرة الجمعية عبر غنائية فيروز له، وهناك الانشودة(احنه مشينه للحرب)باعتماد تكنيك الفلاش باكflash back وهو يمهد للانتقال اليها بوساطة الفعل(يردد)..وهذا يعني ان النصوص صارت شاهد عصر وهي تعتمد رؤيتين شعريتين: اولهما الرؤية الاجتماعية والانهيار المجتمعي نتيجة الحروب، وثانيهما: الرؤية الانسانية، بلغة تميل الى الايقاعية النابضة بالحياة والتي اضفت على النصوص انسيابية في اختراقها لذهنية متلقيها واستفزاز عواطفه ونبش ذاكرته..