الحريري يتراجع عن موقفه ويتريث في تقديم إستقالته رسميا

بعد زيارة سريعة لمصر استغرقت ساعات عدّة
متابعة ـ الصباح الجديد:

أعلن رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، امس الأربعاء، تريثه في تقديم استقالته رسميا لرئيس البلاد، ميشال عون، بعدما كان أعلنها شفهيا من العاصمة السعودية الرياض ، هذا ووصل رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري امس الاول الثلاثاء الى بيروت، بعد نحو ثلاثة أسابيع على استقالته المفاجئة من الرياض، في خطوة أثارت صدمة شعبية وسياسية واستدعت تحركاً دبلوماسياً بعد اتهام الرئيس اللبناني السعودية بـ»احتجازه».
وبعد احتفالات أقيمت امس الأربعاء بعيد الاستقلال الوطني، وترافقت مع عرض عسكري للجيش اللبناني، استقبل الرئيس ميشال عون رئيس الحكومة سعد الحريري في قصر بعبدا، وبعد الاجتماع صرح الحريري قائلا: عرضت استقالتي على الرئيس عون وتمنى علي التريث في تقديمها لمزيد من التشاور في خلفياتها السياسية فأبديت تجاوبا .ً
وألقى الحريري من القصر الجمهوري في بعبدا كلمة مكتوبة قال فيها: «في هذا اليوم الذي نجتمع فيه على الولاء للبنان واستقلاله كانت مناسبة لشكر الرئيس على عاطفته النبيلة وعلى حرصه الشديد على الوحدة الوطنية ورفضه الخروج عنها تحت أي ظرف من الظروف.
وأتوجه من رئاسة الجمهورية بتحية تقدير وامتنان إلى جميع اللبنانيين الذين غمروني بمحبتهم وصدق عواطفهم، وأؤكد التزامي التام بالتعاون مع فخامة الرئيس لمواصلة مسيرة النهوض بلبنان وحمايته من الحروب والحرائق وتداعياتها على كل الصعد».
وتابع قائلا : «عرضت استقالتي على فخامة الرئيس الذي تمنى علي التريث في تقديمها لمزيد من التشاور في أسبابها وخلفياتها فأبديت تجاوبا مع هذا التمني، أملا في أن يشكل حوارا يعالج المسائل الخلافية وانعكاساتها على علاقات لبنان مع الأشقاء العرب».
وأضاف: «أخص بالشكر الرئيس نبيه بري الذي أظهر حكمة وتمسكا بالدستور والاستقرار في لبنان وعاطفة صادقة تجاهي شخصيا. إن وطننا يحتاج في هذه المرحلة من حياتنا إلى جهود استثنائية من الجميع لتحصينه في مواجهة المخاطر، لذلك علينا الالتزام بسياسة النأي بالنفس عن النزاعات الإقليمية وعن كل ما يسيء إلى العلاقات مع الأشقاء العرب».
بالمقابل وصل رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري امس الاول الثلاثاء الى بيروت، بعد نحو ثلاثة أسابيع على استقالته المفاجئة من الرياض، في خطوة أثارت صدمة شعبية وسياسية واستدعت تحركاً دبلوماسياً بعد اتهام الرئيس اللبناني السعودية بـ»احتجازه».
وفور خروجه من الطائرة، غادر الحريري المطار مستقلاً سيارته التي انتظرته مع موكبه عند المدرج، وتوجه مباشرة الى ضريح والده رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري الذي اغتيل في وسط بيروت في 14 شباط 2005.
واستبق مناصرو الحريري وصوله الى بيروت بتسيير مواكب في شوارع بيروت وتنظيم تجمعات في أحياء عدة. وقال أحد مناصريه عبر قناة محلية «ليعرف الجميع، لا يمكن أن يأتي رئيس حكومة إلا سعد الحريري».
وتترقب الأوساط السياسية في لبنان عودة الحريري للاطلاع منه على ظروف استقالته المفاجئة التي قدمها في الرابع من الشهر الحالي من الرياض، مثيراً صدمة شعبية وسياسية.
وحضر الحريري امس الأربعاء احتفالات عيد الاستقلال في وسط بيروت، وشارك بعدها في استقبال رسمي للمناسبة ذاتها في القصر الرئاسي.
ودعا تيار المستقبل الذي يترأسه الحريري، مناصريه إلى التجمع أمام منزله الذي يُعرف بـ»بيت الوسط» عند الساعة الواحدة امس الأربعاء احتفالاً بعودته.
ومن باريس التي وصلها السبت الماضي بموجب وساطة فرنسية بعد بقائه لأسبوعين في الرياض، انتقل الحريري امس الاول الثلاثاء الى القاهرة، حيث كرر أنه سيطلق من بيروت مواقفه السياسية بعد لقاء الرئيس اللبناني ميشال عون.
وفي غضون ذلك أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعد استقباله الحريري عن حرص بلاده على «توافق الأطراف» اللبنانية ورفض أي «تدخل أجنبي» في شؤون لبنان.
وقبل وصوله الى بيروت، توقف الحريري في لارنكا حيث التقى الرئيس القبرصي نيكوس أناستسياديس وعرض معه التطورات السياسية.
ويأتي وصول الحريري الى بيروت بعد نحو ثلاثة اسابيع من استقالته وتوجيهه انتقادات لاذعة الى كل من إيران وحزب الله اللبناني، شريكه في الحكومة، متهماً اياه بفرض «الأمر الواقع». كما حمل على تدخلهما في صراعات المنطقة خصوصاً اليمن وسوريا
وأثارت استقالة الحريري صدمة كبيرة لدى حلفائه وبيته الداخلي كما لدى خصومه، خصوصاً أنها تزامنت مع حملة اعتقالات غير مسبوقة في الرياض طاولت أكثر من مئتي شخصية سعودية بارزة. وبقي الحريري لأسبوعين في السعودية، قبل أن تقود فرنسا وساطة أثمرت انتقاله الى باريس السبت.
وخلال وجوده في السعودية، بقي الحريري بعيداً عن الأضواء، واكتفى ببضعة تغريدات ومقابلة تلفزيونية واحدة، أكد خلالها مراراً أنه «حر» في تنقلاته دحضاً للشائعات.
ورغم الانقسام بين القوى السياسية اللبنانية إزاء ملفات عدة داخلية وخارجية، تحولت عودة الحريري مطلباً جامعاً. وصعد عون مواقفه تجاه السعودية، مؤكداً أن لبنان لن يقبل بأن يبقى رئيس حكومته «رهينة لا نعلم سبب احتجازه» في الرياض، على رغم نفي الأخيرة ذلك.
وفي خطاب لمناسبة الاستقلال نقلتها شاشات التلفزة اللبنانية، قال عون امس الاول الثلاثاء إن الأزمة التي شكلتها استقالة الحريري التي لم يقبلها رسمياً بعد «عبرت، إلا أنها قطعاً لم تكن قضية عابرة، لأنها شكّلت للحكم، وللشعب اللبناني اختباراً صادماً وتحدياً بحجم القضايا الوطنية الكبرى، يستحيل إغفالها والسكوت عنها».
وأكد أن لبنان «لن ينصاع الى أي رأي أو نصيحة أو قرار يدفعه باتجاه فتنة داخلية، ومن يريد الخير للبنان يساعده على تحصين وحدته لأنها صمّام أمانه».
ويأتي موقف عون الأخير بعد يومين من وصف وزراء خارجية دول الجامعة العربية اثر اجتماع طارئ حزب الله بـ»الارهابي» محملين اياه «مسؤولية دعم الجماعات الارهابية في الدول العربية بالأسلحة المتطورة والصواريخ البالستية».
وتُعد استقالة الحريري المفاجئة من خارج لبنان سابقة في الحياة السياسية اللبنانية، إذ يقضي العرف بأن يتسلم رئيس الجمهورية الاستقالة من رئيس الحكومة بصورة خطية خلال لقاء يجمع بينهما.
وخلال مقابلة تلفزيونية في 12 تشرين الثاني ، بدا الحريري أقل حدة في طرحه وربط تراجعه عن الاستقالة «باحترام النأي بالنفس والابتعاد عن التدخلات التي تحدث في المنطقة».
وفي خطاب متلفز الاثنين الماضي، أبدى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مرونة واستعداداً للتفاهم مع الحريري. وقال «بالتأكيد نحن جميعاً في لبنان ننتظر عودة رئيس الحكومة، وهو بالنسبة لنا ليس مستقيلاً» مضيفاً «عندما يأتي سنرى ونحن منفتحون على كل حوار وكل نقاش يجري في البلد».
وبعد وصوله الى بيروت، تتوجه الأنظار الى المواقف التي سيعلنها الحريري لناحية استمراره في الاستقالة أو تراجعه عنها.
في حال أصر على استقالته، لن يجد رئيس الجمهورية خياراً سوى القبول بها واصدار مراسيم بالانتقال الى مرحلة تصريف الأعمال، التي من واجبها متابعة الأعمال الملحة والضرورية فقط.
ويبدأ عون إثر ذلك استشارات نيابية مع كافة الكتل النيابية، يكلف وفق نتائجها رئيساً جديداً لتشكيل الحكومة.
في حال اختارت الغالبية للحريري مجدداً، يعيد رئيس الجمهورية تكليفه مرة أخرى تشكيل حكومة جديدة.
وقد يتيح هذا الخيار للأفرقاء السياسيين الفرصة للتوصل إلى تسوية جديدة، من شأنها أن تبعد لبنان عن التوتر الإقليمي المتصاعد، على غرار التسوية التي أوصلته قبل عام الى رئاسة الحكومة وأتت بعون رئيساً للبلاد.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة