بغدادـــ الصباح الجديد:
صدر حديثاً للأستاذة الدكتورة نادية هناوي كتابها النقدي الجديد( جموح النص وفروسية الناقد: شجاع مسلم العاني في مضامير النقد) بطبعته الأولى عن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد.
وتتجلى أهمية الكتاب من موضوعه الذي تمحور حول المنجز النقدي لبروفيسور السرديات الاستاذ الدكتور شجاع العاني الأنموذج النقدي والأستاذ الأكاديمي الذي مارس النقد لأكثر من خمسة عقود، خبيرا بخفايا العملية النقدية مطورا ومجددا، غير متوان عن إشاعة العلم وترصين ميادينه، منطلقا من خصيصتين علميتين لم يجاره عليهما أحد: الأولى أكاديميته المترسخة بصرامتها، والتزامها والثانية تجديده النظري والنقدي وما بعد النقدي الذي بان على تنظيراته وتطبيقاته منذ بواكير كتاباته النقدية حتى أخلص للنقد والأدب سواء في ما اعتمده من مناهج أو في ما طوعه من مفاهيم واصطلاحات صارمة وما تداوله من معطيات وما قولبه من أساسات انتاجية وبانفتاح واتساع ومعاينة لم تعرف التضييق الفكري أو التقوقع والانغلاق، كنوع من مبدئية علمية وفكرية وأخلاقية وكتمثل صميمي وأداء جوهري لدور المثقف النهضوي التنويري الذي لا يهادن ولا يساوم، وهو ما جعل الدكتور العاني يضطلع بشخصية نقدية فذة ليكون واحداً من أهم أعمدة الثقافة العربية المعاصرة.
ولئن كان التبدل المتسارع سمة الحياة العصرية التي نعيشها؛ فإن النقد الادبي هو الاكثر تطورا وتسارعا كي يواكب مجريات حركة الابداع وتقلبات النصوص الأدبية، فيكون حال الناقد كحال الفارس الذي يجول في حلبة الصراع واثقا من نفسه مميزا بعين حصيفة مخاتلات غريمه ومدركا بحدس وفطنة المراوغات التي من المحتمل أن يواجهها وهو إزاء نص عريكته لا تلين وشكيمته لا تطاوع إلا بالتفرس والفراسة اللتين تكملان فعل الفروسية بلا تأسلب ولا تنميط ولا ثبات ولا تقليد. وما جموح النص سوى استفزاز لحفيظة الناقد وتحدٍ له يدفعه إلى قبول المنازلة، مراهنا على فض الاشتباك في النص والتمكن منه، وتذليل صعوباته، سواء بالكشف عن معطياته الجمالية أو رصد مناحي النظر الفكري فيه. والجموح أيضا استثارة الحواس المقتضية من الناقد شجاعة في مواجهة النص ومغامرة وجرأة في الامساك بتلابيبه. وبتواءم الشجاعة مع المغامرة يغدو الناقد فارسا.
ومكمن فروسية الناقد والشاهد عليها هو النص الذي صار طوع أمره، ورهن إشارته. وقد تحول جموحه وما فيه من تعال لغوي أو تسام فكري أو تفوق صياغي إلى تواد وحميمية، ما كان لها أن تأتي لولا سلبية التواصل ما بعد مرحلة اللذة والذي هو مطلب إبداعي.
وكلما كان النص جامحا تطلب ناقدا فذا موصوفا بالفروسية التي تعززها الخبرة والمعرفة مع الشجاعة والجرأة، وهكذا يتمكن الناقد من النص متهيئا لمتاهاته التي يمكنها أن تأخذه سابحا مع تيارها أو مجذفا ضده، مستدلا بثقة ومفهومية على السبل التي بها يمكن الظفر بنياط النص مشذبا أبعاده واقفا على اشكالاته، فاهما خفاياه.
أمّا إذا كان النص مستحدثا في باب الإبداع الأدبي لم تثبت ريادته بعد، فإن التحدي أكبر، لأنه سيتطلب ناقدا امتلك الفروسية النقدية ممتطيا صهوة النصوص، عارفا بمهارة عالية وخبرة وافية كيف يلين عريكة النص المقروء ويكبح تعاليه أو يفك استغلاقه ويعريه، ليغدو سلسلا طيعا أمام القراء. وهو ما امتلكه الاستاذ الدكتور شجاع مسلم العاني الناقد العالم الذي تشهد له المحافل العلمية بالتقدير والثناء العاليين، والقامة المعرفية التي تحظى بإجلال كبير واعتداد غير متناه من النقاد والمثقفين العراقيين والعرب.
هذا واشتمل الكتاب على ستة مضامير مع مقدمة وخاتمة، تناول المضمار الأول( ستراتيجية التجديد النقدي في فكر الدكتور شجاع مسلم العاني) وتمحور المضمار الثاني حول( الشخصية النسوية في كتاب المرأة في القصة العراقية) واهتم المضمار الثالث بـ( المقايسات النقدية بالاجتراح والتصنيع والتوليد) واشتغل المضمار الرابع على( تغلغل المحايثة النصية والمعاينة الاجتماعية في الرؤية الانفتاحية للمتون النقدية) وعني المضمار الخامس بـ(مرجعـيات الناقـد البنـيوي في العـراق) بينما درس المضمار السادس( مداخل لمضامير أخرى) مع خاتمة بأهم المحصلات النظرية والإجرائية، تليها فهرسة مفصلة لمصادر الكتاب ومراجعه العربية والاجنبية.