“كسوف أحمد ” في رثاء المرحوم أحمد راضي

أ.د. ابتسام الصفار

 كتبت الدكتورة عهود عبد الواحد: أعزيكم وأعزي نفسي ووطني بفقد العلم الرياضي الخفَّاق الكابتن أحمد راضي ،صحيح أني لم أره يوما، ولست رياضية ، ولكني رأيت فيه زمن العراق الذهبي ، زمن العطاء والارتقاء ، يوم كان يحسب للعراق ألف حساب..  رحمه الله وأسكنه فسيح جنَّاته ، وقد كتبت فيه قصيدتي (كسوف أحمد) عسى أن تليق بمقامه:

  إن موت احمد راضي أشجنها فكتبت قصيدة اعتمدت الحكاية والحوار فمنحت القصيدة الحياة والحركة. بدا هذا في مطلع القصيدة ، حيث صورتها وهي تحمل الحلوى والزهور أملا فيما بلغها من شفاء اللاعب مستخدمة الإضافة في تعبير ( ورد الأماني ) وهي صورة جميلة معبرة عن الإستيشار والتفاؤل:

أتيت لـ(نعمانٍ) وفي يديَ الحَلْوَى  

                                ووردُ الأماني هامسٌ : (أحمدٌ ) يشفى

ونقلت صورة تخيلته مبتسمًا، وقد بلغه دعاء الناس المحبين له بالشفاء، ومناجاتهم لله ليمنَّ عليه بالشفاء

فقبلَ أوانٍ للرحيلِ بدا لنا

                                 وقد ملأ المَشْفَى ابتساما بما رَوَّى

تفاءلَ مَنْ كانوا محبينَ للفتى

                             وقالوا : غدا نرجو (لأحمدنا) الرُّجْعَى

وتنتقل بنا الشاعرة إلى صورة أخرى تكمل حكاية الفقيد فقد تساقط ورد الأماني من يدها، وانتحبت:

فلمَّا سَمِعْتُ الآهَ للجوِّ مالئاً

                             تساقطَ وَرْدِي وانتحبْتُ لِمَا يُرْوَى

وهنا تعمد الشاعرة إلى أكثر من أسلوب في الخطاب فتلجأ إلى التساؤل المجازي لتظهر الحسرة والألم ، وتشبه حسن سيرته بالصفحة البيضاء:

  أحقّاً يَغيبُ النجمُ في أوجِ نُورِهِ

                                وصفحتهُ البيضاءُ مِنْ عالم تطوى

وتخاطب المرثي:

ألا أيُّها (الراضي) الذي ملأ المدى

                              تذكِّرُنِي أنَّ العِرَاقَ هو الأقوى

لتجعل خطابه التفاتة أمل في النفوس، فالعراق أقوى من أن تهدَّه الخطوب.

إن عبقرية المرثي تتجلى في براعة قدمه وتصويبها الأهداف الكروية، مستخدمة أسلوب التعجب ( ما كان أفضل صنعها)

وتعود إلى الاستفهام الذي ينبؤ عن عمق الحزن والألم:

فقال لماذا اللِّعْبُ إذ (أحمدٌ) بِهِ

وكيف لنا رِبْحٌ وفي اللِّعْبِ ما الجَدْوَى ؟!!

والطريف أنها ربطت بين كسوف الشمس الذي شهده العراق وبين فقدان هذا النجم الرياضي، فالشمس كسفت حزنا عليه:

وليسَ غريبا في رَحِيْلِكَ كِسْفَةٌ

                               لشمسٍ فهذا الحزنُ في قلبها ألْوَى

وتختم القصيدة بدعائها للمتوفى بالرحمة، كما أنزلها على ذوي البر والتقوى:

إلهي تَقَبَّلْهُ وَكُنْ رَاحماً بـِهِ

                           وأنزلْ شآبيبَ التَّحَنُّنِ في المَثْوَى

كما نَزَلَتَ بالوافدينَ لرحمةٍ

                           تعهَّدتهم سُقياً ذَوِي البِرِّ والتَّقْوَى

ونلاحظ في هذه القصيدة الرثائية، استخدام الشاعرة التسلسل المفضي إلى الرثاء والتأبين  كما هو معروف ذكر محاسن المرثي فكان لها أن تذكر مآثره في بطولاته الرياضية. راسمة صورة جميلة تشبهه بالنجم الذي أفل وهو في عز نوره ومجده.

أحقّاً يَغيبُ النجمُ في أوجِ نُورِهِ

                              وصفحتهُ البيضاءُ مِنْ عالمٍ تُطوى ؟!!

لقد غيَّبتْ (كوفيدُ) أسطورةَ العلا

                                   وكم أفرَحَتْنَا وهي مُذ زَمَنٍ تُرْوَى

ألا أيُّها الموتُ الذي انقضَّ مُرْعِباً

                                      لَخْطَفَ مِنَّا مَنْ نُحِبُّ بلا نجوى

    ونجد لغة الشاعرة تطوف في ثلاثة محاور: الأول يعطي إشارة مكانية (لنعمان)وهو توثيق لمستشفى النعمان التي استضافت الفقيد، والثاني ذكرها لكوفيد وهو الفيروس الذي كان سببا لوفاته ، والثالث وهو الأروع وهو ما أسمت به المرثية كسوف أحمد ، وهو كسوف مجازي وحقيقي لأن غياب احمد من عالم الرياضة كسوف ، ولأنه صادف فعلا حدوث كسوف في الشمس.

المحور الثاني ؛ ألفاظ التفاؤل مثل ،الورود والحلوى والشفاء والمحبين

   والمحور اللغوي الثالث يتعلق بوصف المرثي ؛ فهو الفتى ، وهذه طريقة العرب في التعبير عن فتوة الرجل ولا علاقة لها بعمره، وخطابه بأحمدنا لما لهذه الإضافة من حميمية ولفظ الراضي ، والقدم التي كانت سمة من سمات براعة المتوفى.

أما المحور الرابع فهو الألفاظ التي تعبر عن الحزن :البكاء ، النحيب ، الآه  حرارة القلوب وهي ليست كثيرة.

ويبقى اختيار القافية موفق في مساهمتها ببث روح الحزن والآهة.

ويكتب ا لأستاذ د. عبد الحسين ظاهر الربيعي مجاراة لهذه القصيدة بدأها بوصف قوافي الشاعرة بأنها نواح كنواح الثكلى:

    رثاءٌ ل( لخنساءٍ) أعادَ لي الشَكوى

                             فناحتْ قوافيها نواحَاً كما الثكلى

ويمكن ان نقسم  قصيدة  الأستاذ الدكتور عبد الحسين الى أربعة مقاطع كل مقطع ينهض بنفسه .الأول: 

 يبدأ بمديح الدكتورة عهود ويسميها بالخنساء، وهو الاسم الذي ارتضته لها الروضة الأندلسية ،ويذكر إجادتها فن الرثاء ، وفي ذكر معانيها ومباني قصيدتها، التي هي نعمة من نعم الله  منّها عليها.

   هذا المقطع لا يخص الرثاء قدر ما يصف أسلوب الدكتورة عهود في قصيدتها  ، المبنى جميل  الرصين  والألفاظ والمعاني  المعبرة .لقد أثرت قصيدتها في نفسه حتى قيل إنه الذي أصيب بالبلوى والمصيبة.

 وجدتُ( عُهوداً) في الرثاءِ جديرةً

   تماسكتُ حتى قيلَ: إنّيَ اخو  البلوى

تَمعنتُ في المعنى وفي اللفظِ تارةً

 وفي النفسِ والأَعماقِ في التارةِ الأخرى

فأكبرتُ مبناها الرصينَ ويالها

     معانٍ حباها اللهُ نعمتَهُ الكبرى !

فأبكت عيوناً لم ترَ الروعَ ساعةً

    وشقّتْ جيوباً للمشاهدِ،إذ تُروى

المقطع الثاني :ينتقل فيه الى ذكر الوباء المتفشي الذي نال شبابًا وشيوخًا ، ويفصِّل في وصف الفيروس ، فالفيروس يهاجم وكأنه وحش ، ويرعب الناس بالموت  الزؤام الذي ينتظرهم وبالعدوى المتفشية ، معبرا عن شدة وقع الفيروس بالهجوم و بالصفع ، وحيرة النا س في محاولة التخلص منه لكنه يحصدهم حصدًا  وهذا تصوير لشمول الموت بسبب إصابات الفيروس:

 شبابٌ وشيبٌ ،إذ تراهم أعزّةً

                           يهاجُمهم ( كوفيدُ) يرمي بهم مرمى

يجدُّ بنا الموتُ الزؤامُ برعبهِ

                        ويَصْفعُنا الفيروسُ والرعبُ والعدوى

يجدُّ الردى فينا ونحنُ ذوو هوىً

                            ويحصدُ آلافاً ولا ندري،ما المأوى؟

المقطع الثالث يكون الخطاب فيه مباشرة  للفقيد ، ويخاطبه بأحمد الأحباب الذي تسارع إليه الموت وتمنح هذه الإضافة المرثي صفة حب الناس والأحباب له:

و يا احمدَ الأحبابِ اسرعتَ للردى

              اتتكَ لصوصُ الموتِ بالسرعة القصوى

ويكرر صورة وردت في تمهيد الدكتورة عهود بأنها ليست رياضية ، فيقول أيضا بأنه يعيش مع آمال الناس ومشاعرهم ، وبذا يكون حزنه على الفقيد الذي أحزن الناس:

ولسْتُ رياضيّاً اجوبُ ملاعباً

                            ولم أكُ وقّافاً واشواطُها تُجرى

وإنّي مع الناسِ أعيشُ بعيشِهم

                         بمقدار ما يلقون اُسْعَد أو أُشقى

المقطع الرابع يتطرق فيه الى الإشاعات التي صاحبت فيروس كورونا، حيث انكر كثير من الناس وجوده واستخفوا به، وتأملوا ان الحر سيقضي عليه , والإشاعة الأخرى التي تداولها الناس ما قيل  من أن الصين هي مصنعة هذا الفيروس:

وكم قيل: ذا الفيروسُ محضُ سحابةِ

   سيجرفُها الحرُّ الشديدُ ولن تبقى

كما قيلَ: إنّ الصينَ صاغوهُ بغتةً

  وفي صُلبِ يأجوجٍ ومأجوجٍ البلوى

   و(يا ايُّها الموتٌ الذي انقضَّ مُرعباً)

  وكالأسدِ الضاري أو الحيّةِ الأفعى

ويعود مرة أخرى إلى الفقيد متأسيا بأن ما حدث هو قضاء الله وقدره، ويورد جناسا لطيفا هو” الراضي” و”رضينا”

ويا (احمدَ الراضي) رضِينا قضاءهُ

   عزائي لك الشافي ،إلى ربِّكَ الرُّجْعَى

ومثل كل قصائد الرثاء لابد أن يقف الشاعر إلى التأسي وأخذ العبرة، فيخاطب الروضة الأندلسية مطلقا عليها روضة الأحباب؛ لأنه يخصها بالنصح والتحذير من المرض

 وبا روضةَ الأحبابِ هذي دلائلٌ

    بأنَّ قطارَ الموتِ  يمضي بما يهوى

.خذوا حِذرَكُمْ إنّ الحياةَ خديعةٌ

   ولا تركنوا إنّ الركونَ هو البلوى

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة