نخب عراقية تضع خططا للتخلص من الريعي
بغداد – الصباح الجديد:
بحث خبراء عراقيون مستقلون عن انموذج جديد للاقتصاد العراقي الذي يعاني فضلا عن الخراب الشامل بعد عقود من الاعتماد التام على ريع العوائد النفطية وتفاقم الفوضى والفساد منذ عام 2003، وذلك في خطوة استباقية لوضع مسار اقتصادي جديد في ظل تفاؤل بقرب خروج البلاد من مأزقها السياسي بعد الانتفاضة الشبابية.
قدم المنتدى العراقي للنخب والكفاءات خلال ندوة عقدت بمدينة الحمامات التونسية بعنوان “ما بعد الانتفاضة” عرضا لمختلف أبعاد الحراك الشبابي وعلاقته بالمتغيرات والتحديات الاقتصادية في وقت تتنامى فيه الحاجة إلى البحث عن مسار لخروج البلاد من أزماتها المزمنة.
وقالت الخبيرة الاقتصادية وعضو المنتدى هُداب الكبيسي في تصريح صحفي إن “مشكلة اقتصاد العراق تكمن في طابعه الريعي منذ زمن طويل، والذي عطل قدراته الاقتصادية الأخرى”.
وتعتمد إيرادات موازنة الدولة العراقية على ما نسبته 95 في المئة من عائدات النفط، حيث يضخ العراق نحو 4.6 مليون برميل يوميا، وهو ثاني أكبر منتج بعد السعودية في منظمة أوبك.
ودعت الكبيسي إلى ضرورة “النظر إلى كافة القطاعات الاقتصادية المنتجة وتحريك قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات بهدف تنويع الاقتصاد والموارد وتقليل الاعتماد على النفط”.
ويُعد النفط من أكثر الملفات الساخنة في البلد خصوصا في ظل التدخل الإيراني والتوترات الأمنية التي تشهدها المنطقة، حيث يلف الغموض العقود التي تبرمها الوزارات مع الشركات النفطية وشيوع شبهات الفساد فيها.
ودفعت هذه العوامل الشباب إلى الخروج للتظاهر طيلة أشهر مطالبين بإصلاحات شاملة ومحاسبة الضالعين في قضايا الفساد وإهدار المال العام، كما طالبوا بإنهاء النفوذ الإيراني.
وتفرض طهران هيمنة شديدة على اقتصاد العراق من خلال الميليشيات التابعة لها، وتغرق البلاد بصادراتها التي تمنع نهوض الاقتصاد العراقي، وتشير البيانات إلى أن صادراتها الزراعية وحدها بلغت خلال العام الماضي نحو 4 مليارات دولار.
وترى هُداب الكبيسي أن العراق أصبح بعد سنوات الخراب الاقتصادي يفتقر إلى الكوادر البشرية المتخصصة في قيادة عجلة التنمية وأنه يحتاج إلى نموذج جديد لتطوير الكفاءات والمهارات للنهوض بالاقتصاد.
وقالت إن قطاع النفط لا يمكنه خلق أكثر من 3 في المئة من الوظائف التي يحتاج إليها العراق، وهو ما يحتم ضرورة تركيز الشباب على القطاعات المنتجة الأخرى.
وشددت على ضرورة أن يتحول الاقتصاد العراقي بحلول عام 2040 إلى اقتصاد مستدام يعتمد على قطاعات منتجة متنوعة، وأن ذلك لن يتحقق دون توفر الإرادة السياسية للتغيير.
وتعرض الخبير النفطي شريف محسن إلى التكلفة الباهظة لاستمرار حرق الغاز المصاحب لعمليات استخراج النفط، الذي بدد ثروات هائلة على مدى العقود الماضية، إضافة إلى إضراره بالبيئة والقطاعات الأخرى مثل الزراعة.
وأوضح أن تكاليف احراق كميات الغاز خلال الفترة من 2011 إلى 2015 والتي تقدر بنحو 2220 بليون قدم مكعب تصل إلى 15.5 مليار دولار، استنادا إلى سعر منخفض عند 7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
وأشار إلى تكلفة البيئة الباهظة لانبعاث حرق ذلك الغاز والتي تبلغ 44 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون، ما يعادل انبعاثات عوادم 7 ملايين سيارة.
وأكد الخبراء المشاركون في الندوة أن استثمار الغاز المحروق يمكن أن ينهي الحاجة إلى الغاز الإيراني المستورد، ويوفر للعراق ما يصل إلى 6.4 مليار دولار سنويا.
وعرضت الكبيسي مقاربتها البحثية المتعلقة بتداخل العوامل الاقتصادية والسياسية في طبيعة النظام الاجتماعي والاقتصادي في العراق.
وأكدت أن بلدها فقد دوره الاقتصادي منذ الحصار، الذي فرض عليه في تسعينات القرن الماضي، حيث منعته العقوبات من تصدير نفطه، ثم فقد الدور السياسي عام 2003 بعد أن فقدت الدولة قدرتها على فرض الأمن وسلطة القانون.
وأشارت إلى أن نسبة النمو التي تبلغ نحو 5 في المئة تأتي بشكل أساسي من قطاع النفط، وهي متدنية جدا قياسا بالأوضاع الاقتصادية.
وقالت إن “العراق يحتاج إلى 10 في المئة من النمو من خارج قطاع النفط مثلما حدث في الصين التي نهضت اقتصاديا دون اعتماد كبير على النفط”.
وقدمت الندوة توصيات لتحسين قطاع النفط والغاز، تضمنت إعادة إعمار شاملة ومتكاملة للمصافي الرئيسية في كل من بيجي والدورة والبصرة، وتجنب إنشاء المصافي الصغيرة بسبب تردي مواصفات منتجاتها.
ودعت إلى تسريع العمل لاستكمال إنشاء مصفى كربلاء وإعادة النظر في مواقع المصافي المقترحة لتتماشى مع مراكز الاستهلاك ومنافذ التصدير وخطوط الأنابيب.
وقال محسن، الذي يشغل منصب نائب رئيس لجنة الصناعة والطاقة في البرلمان العراقي، إن “وزارة النفط فشلت في إقناع المستثمرين بدخول قطاع المصافي والتكرير منذ عام 2004 باستثناء إحالة مصفى كربلاء إلى شركة هيونداي وبسعر مضاعف، في وقت استوردت فيه منتجات نفطية بقيمة تزيد على 46 مليار دولار منذ ذلك الحين”.
وأشار إلى أن العراق يواصل إهمال احتياطاته الكبيرة من الغاز، والتي تصل إلى 132 تريليون قدم مكعب، وفي المقابل تعاقد مع إيران لاستيراد 1900 مليون قدم مكعب يوميا بأسعار مجحفة تفوق الأسعار العالمية.
وقال المسؤول العراقي إن “استغلال الغاز العراقي بشكل صحيح يمكن أن يحقق الاكتفاء الذاتي ودخول نادي مصدري الغاز”.