مصطفى إبراهيم*
يبدو أن الفلسطينيين الذين يلقون اللوم على العرب لم يلوموا أنفسهم، وعلاقتهم بسلطات الاحتلال الإسرائيلي، وهي أخطر أنواع التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
عبر الفلسطينيون عن غضبهم الشديد من اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، ورئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، واتفاقهما على بدء التعاون تمهيداً لتطبيع العلاقات بين الجانبين. وأشار بيان صدر عن مكتب نتانياهو إلى أن الاجتماع “حدث تاريخي”، وظهر الموضوع وكأن نظام الحكم الجديد في السودان فهم أن الطريق إلى الولايات المتحدة الأميركية، تمر عبر إسرائيل لحل أزماته، ويبدو أن دولة الإمارات هي العراب والراعي الرسمي لعقد اللقاء وتشجيع الأنظمة العربية على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
في موازاة ذلك، جاء رد الفعل الفلسطيني الرسمي والشعبي على تطبيع البرهان حاداً، وقال بعضهم باستهزاء إن اللقاء هو أول رد عربي على مواجهة صفقة القرن. الرد الفلسطيني لم يماثل الرد على زيارة نتانياهو وعدد من وزرائه إلى عمان والإمارات والبحرين، ربما لأنه جاء في حمى تفاعلات الإعلان عن صفقة القرن ورفضها من وزراء الخارجية العرب، أو لأن السودان مساند للقضية الفلسطينية، وتربطه علاقات جيدة مع الفلسطينيين الذين اعتبروا أن السودان تنكر لمؤتمر اللاءات الثلاث، لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل، في مؤتمر القمة العربية في الخرطوم بعد هزيمة الدول العربية عام 1967.
وفي زحمة ردود الفعل، دخلت الساحة الفلسطينية في حال من المناكفات وتوجيه الاتهامات وغياب الرؤية الواضحة والصريحة لمواجهة صفقة القرن، بعد تصريح عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” عزام الأحمد غير المفاجئ للناس حول تأجيل زيارة وفد فصائل منظمة التحرير، للاجتماع بالفصائل بشأن صفقة القرن، ووفقاً للأحمد، سبب التأجيل هو عدم الحصول على موافقة حركة “حماس” على الزيارة.
واستهجنت “حماس”، تأجيل وفد فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، زيارته، وقال الناطق باسم الحركة إن وفد فصائل منظمة التحرير مرحب به في غزة التي هي جزء من وطننا جميعاً، وأعلنت الحركة ترحيبها هذا رسمياً في اتصال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة بالرئيس محمود عباس.
يبدو أن الفلسطينيين الذين يلقون اللوم على العرب لم يلوموا أنفسهم، وعلاقتهم بسلطات الاحتلال الإسرائيلي واستمرار التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وهي أخطر أنواع التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وافتخر الرئيس عباس في كلمته أمام مؤتمر وزراء الخارجية في القاهرة، بأنهم حصلوا على معلومات منا لم يكونوا يحلموا بها، وقال أحد الضباط في الأجهزة الأمنية إن التعاون الأمني مع إسرائيل وجهاز الاستخبارات الأميركية لم يتوقف يوماً وان لم يزر وفد من المخابرات الأميركية رام الله، يذهب وفد من المخابرات الفلسطينية إلى واشنطن.
جاء رد الفعل الفلسطيني الرسمي والشعبي على تطبيع البرهان حاداً، وقال بعضهم باستهزاء إن اللقاء هو أول رد عربي على مواجهة صفقة القرن.
في حين أن المجلس المركزي الفلسطيني أصدر عام 2015 قرارات بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، غير أن السلطة الفلسطينية لم تنفذ أياً من تلك القرارات ويتذرع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنها ضرورية.
إسرائيل لم تلتزم أياً من تلك الاتفاقيات، وتقوم بالمداهمات اليومية إلى مدن الضفة الغربية وتشن حملة اعتقالات في صفوف الفلسطينيين وغيرها من الممارسات والانتهاكات، وعلى رغم الانتهاكات الإسرائيلية والاعلان عن صفقة القرن.
وفي الوقت ذاته، تحاول الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تهدئة التوترات مع السلطة الفلسطينية على خلفية نشر خطة صفقة القرن، وقد أجرى مسؤولو الأمن محادثات مع كبار المسؤولين الفلسطينيين وكبار المسؤولين الأمنيين في السلطة الفلسطينية في محاولة لطمأنتهم. وطلب كبار المسؤولين الإسرائيليين من السلطة عدم المساس بالتنسيق الأمني، وقالوا إنه من غير الواضح أي جزء من الخطة سيتم تنفيذه.
يبدو أن وقف التنسيق الأمني وتحقيق المصالحة الفلسطينية من المستبعد أن يتحققا، وما يصدر من تصريحات عن القيادة والمسؤولين الفلسطينيين بقطع العلاقة مع إسرائيل وإعادة تعريف الدور الوظيفي للسلطة، هي مجرد شعارات وطحن كلام لا أكثر، إضافة إلى تصريحات الرئيس عباس المتكررة عن أن التنسيق الأمني مقدس، وأنه يعمل على نزع الشرعية عن الاحتلال وليس عن إسرائيل، وكأن سلطة الاحتلال ليست مسؤولية إسرائيل الدولة المحتلة التي تمارس الفصل العنصري.
والسؤال المطروح، هل تشكل صفقة القرن فرصة للفلسطينيين لتوحيد صفوفهم؟ موقف السلطة والفصائل لمواجهة صفقة القرن عاجز عن اتخاذ خطوات جدية، وكأن العقل الجمعي الفلسطيني أفلس عن الابداع وإيجاد أفكار وخطط إبداعية لمواجهة صفقة القرن، والضغط على قيادة السلطة والفصائل. وهذا يتناقض مع الموقف الفلسطيني العام على اعتبار أن للفلسطينيين حركة تحرر وطني تقود شعباً يناضل من أجل الحرية، وأيضاً مع المطالبات الشعبية الغاضبة من الموقف الرسمي الذي لم يصل إلى مستوى خطورة صفقة القرن والأوضاع الكارثية التي يعيشها الفلسطينيون الذين لم يستطيعوا الخروج من انقسامهم، وقد لا يتمكنون قريباً من إتمام المصالحة وكأنهم غير مدركين خطورة صفقة القرن ونتائجها الخطيرة على قضيتهم ومستقبلهم ووجودهم.
في زحمة ردود الفعل، دخلت الساحة الفلسطينية في حال من المناكفات وتوجيه الاتهامات وغياب الرؤية الواضحة والصريحة لمواجهة صفقة القرن.
الحالة الفلسطينية سوريالية، أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لا يعلمون شيئاً ولا يقررون، والقرارات مرهونة لقيادة الرئيس عباس، والسلطة الفلسطينية مستمرة في إصدار التصريحات والتهديد بقطع العلاقة مع إسرائيل من دون تنفيذ، والتنسيق الأمني لم يتوقف، ولم تستطع الفصائل في الضفة وقطاع غزة وحتى في الخارج، الخروج بتظاهرات شعبية وسلمية حاشدة تعبر عن الرفض القاطع للصفقة.
في المقابل، كان الرد الشعبي والفصائلي من قطاع غزة باهتاً، وتسعى حركة “حماس” في القطاع إلى تثبيت حكمها بممارسة الضغط على إسرائيل لرفع الحصار، بإطلاق القذائف الصاروخية والبالونات الحارقة على المستوطنات المحاذية لقطاع غزة لتنفيذ المزيد من بنود التفاهمات مثل مشاريع البنية التحتية وتشغيل المنطقة الصناعية المشتركة عند معبر المنطا، الذي تحقق برعاية مصرية قطرية العام الماضي، وقبل حلول موعد الانتخابات الإسرائيلية للكنيست التي ستجرى الشهر المقبل. ونتانياهو، ووزير الأمن، نفتالي بينيت، لم يلتزما التعهدات تجاه غزة بسبب المخاوف من رد فعل الناخبين الإسرائيليين.
النخب الفلسطينية المتعددة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشتى ألوانها وتوجهاتها لم تستطع حتى الآن الخروج من الأزمة وممارسة الضغط لإنهاء الانقسام، على رغم اللقاءات والندوات السياسية والبيانات الصحافية ومذكرات الإدانة والتوقيع عليها، إلا أنها عاجزة عن التأثير باستثمار الإعلان عن صفقة القرن، ومواجهتها بتوحيد الصفوف وتنفيذ اتفاقيات المصالحة، وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، وترميم البيت الفلسطيني للدفاع عن مستقبل قضية الفلسطينيين ووجودهم.
- صحافي فلسطيني
عن موقع درج