إقليم بارزان

بعد القرار الأخير الذي اتخذه الحزب الديمقراطي الكوردستاني؛ بترشيح نجيرفان بارزاني لرئاسة الإقليم ومسرور بارزاني لمنصب رئاسة الوزراء في الإقليم؛ يكون أمر اقتسام مقاليد السلطات العليا في أربيل، قد حسم لصالح الجيل الثالث من عائلة الملا مصطفى البارزاني. قد يبدو ذلك للكثير من المتابعين لحال واحوال التجربة السياسية في إقليم كوردستان، مغايرا ومتنافرا ومنظومة القيم الديمقراطية التي أتاحها المشرط الأممي لشعب كوردستان بشكل خاص والشعوب العراقية بشكل عام، بعد حمايته للتجربة بداية التسعينيات من القرن المنصرم، واستئصاله للنظام المباد ربيع العام 2003.
لكن عند التمعن قليلا في مسار التاريخ السياسي الحديث للعراقيين وللكورد بنحو خاص، سنجد ان مثل هذه الهيمنة على ما يعرف بـ (الاحزاب) من قبل عائلات بعينها، ومن ثم توريث تلك الهيمنة بين أجيالها، المنحدرة من صلب “الأب القائد” ليس بالأمر الجديد أو الطارئ. لا بل يأتي ذلك كامتداد لقيم وتقاليد راسخة على تضاريس هذا الوطن الممتد من الفاو لزاخو، حيث الثقافة الأبوية وما يتفرع عنها من مستويات الوصاية على قبائل وشعوب وملل لم تصل لسن التكليف الحضاري بعد. المدافعون عن مثل هذه القرارات، يعودون بنا دائماً الى تاريخ من “النضال” اختصت به تلك القبائل والأسر، تاريخ ومحطات لم تتعرض لضوء الكشف والنقد والتحليل العلمي والمهني، وهي كما غالبية سرديات وحكايا تاريخنا القريب والبعيد، ظلت بعيدة عن عيون الفضوليين والمشككين بمدوناته وسردياته الموضوعة من قبل الحواشي وشريحة الحبربش والوعاظ.
لسنا بالضد من تسنم أية شخصية لمواقع المسؤولية العليا في كوردستان والعراق، بما في ذلك السيدين نجيرفان بارزاني ومسرور بارزاني وبقية المنحدرين من نسل الملا مصطفى، لكن ان تتطوب تلك المواقع باسم أسرة وسلالة بعينها، فقط لكونها تنحدر من نسل زعيم سياسي اشتهر في محطة من محطات تاريخها؛ فإن ذلك يمثل اعتداءً صارخاً على ما يفترض انها المثل العليا التي حرضت على ذلك الكفاح من أجل الحرية والكرامة وحق تقرير المصير. مثل هذه الممارسات والسلوك لم نشاهدها عند شعوب وتجارب وأمم عرفت زعامات رائدة واسطورية كنيلسون مانديلا أو مارتن لوثر كينغ وحتى لدى المهاتما غاندي والكثير من القادة التاريخيين للشعوب والبلدان والدول من شتى الرطانات والمنحدرات والأزياء. ان عمليات التوريث السياسي والحزبي هذه، لا تمت بصلة لإرث الكفاح من أجل الحرية والحداثة والتعددية والحقوق، بل هي تعد تجسيدا لتقاليد وثقافة ماضوية.
كانت تستدعي مثل ذلك التوريث للحفاظ على ما انتزعه الآباء والأجداد من ولايات واقطاعات سياسية واقتصادية. ان التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجه التجربة الفتية لاقليم كوردستان، لم تعد كما كانت سابقاً، وقد كشفت تجربة الاستفتاء الاخيرة على محدودية وضيق افق مثل هذا النمط من القيادات الوصائية وأسلوبها في قيادة العمل السياسي والإداري، وقد شاهدنا ما تمخضت عنه جولتا الانتخابات في الإقليم وعلى مستوى العراق، من نتائج مغايرة لما يفترض بالصناديق تأديته، حيث يتم فيها عادة؛ معاقبة الأطراف والشخصيات الفاشلة سياسيا كما حصل مع (سدنة الاستفتاء) لا مكافئتهم على قرارات ألحقت أبلغ الضرر بقضية ومصالح سكان الاقليم، كما حصل مع النتائج التي حصدها الحزب الديمقراطي الكوردستاني في البرلمان الاتحادي وفي برلمان الإقليم. مثل هذه القرارات والمعطيات تشير الى ان الاقليم وبهمة قياداته “التاريخية” يسير على خطى “الجملكويات” أو التجربة اللبنانية وذلك أضعف الإيمان…!
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة