لقد فات على الجهات التي تقف خلف تنظيم مثل هذه الاحتفالات لتقديم الجوائز والعناوين المجانية؛ طبيعة ما ينضح عن الديمقراطية، عندما تلقيها الأقدار وسط ما تبقى من حطام المجتمعات التي انتشلتها الصدفة أو الاقدار العابرة للمحيطات، من براثن الانظمة التوليتارية. اذ تتحول مرحلة ما يطلق عليه بـ “العدالة الانتقالية” الى سلسلة من الاحداث والفعاليات يتصدرها أنشط ما في ذلك الحطام من مخلوقات زاحفة ومتسلقة ومتلونة، يساعدها في ذلك خلو الساحة من بدائل واقعية وملاكات سليمة تنهض بمهمات تلك المرحلة الانتقالية. وهي بذلك (الديمقراطية) تمارس دورها في الكشف عن حقيقة الامكانات الواقعية لمجتمع انحدر الى مستويات لا مثيل لها من انحطاط وهوان في القدرات والوعي والذائقة والهموم والهمم. وهذا ما يمكن مشاهدته بوضوح فيما يجري من احتفالات سنوية مدفوعة الثمن، لاختيار المخلوقات الاكثر انسجاماً وتناغماً مع حاجات ومعايير ومتطلبات هذه المرحلة البائسة من تاريخنا الحديث، في شتى الحقول التي عصفت بها رياح التشرذم والتهريج والفرهدة والانحطاط، وفي هذا فقط يمكن التعرف على علل وجود مثل هذه الجوائز في مرحلة هي الافشل في تاريخه الحديث.
ليس هناك أدنى شك حول أهمية مثل هذه الممارسات الحضارية، بوصفها جزء مكمل ومحفز لمسيرة الابداع والانجاز المتواصلة في البلدان التي وصلت لسن التكليف الحضاري، وهذا ما تجسده غير القليل من المسابقات والجوائز الدولية الرصينة. لكن مايجري لدينا من محاولات لاستنساخها لا يعدو أكثر من مهزلة أو فضيحة تضاف الى ما تراكم لدينا من بؤس وهزائم في شتى الحقول، وهي تعكس احدى تجليات منظومة الفساد المستشرية في شتى تفصيلات حياة المجتمع ومؤسسات الدولة، في هذا العصر الذي استفردت فيه المعايير الطاردة لكل ما له صلة بالابداع والخلق وصناعة الجمال. كما ان هذه الممارسات لن تنطلي على المتابع الحصيف لحالة التردي التي يتخبط وسطها المشهد العراقي الراهن وعلى شتى الجبهات المادية والقيمية، ولن تتمكن هذه المساحيق الفاقعة ومهرجانات التهريج من اخفاء الملامح الفعلية لتلك المخلوقات اللاهثة خلف هذه الجوائز والانواط والدروع مدفوعة الثمن، ولا المصالح والاجندات والجهات التي تنظمها وتمولها، ولا الغرض منها.
ان حال الثقافة والاعلام والفنون لا يختلف عما نشاهده في الحقل السياسي وحسب، بل هو امتداد ومكمل أو بشكل ادق تابع لحاجات ومتطلبات وذائقة المصالح والقوى المتنفذة في المشهد الراهن. وتعد المسابقات والجوائز التي اشرنا اليها أحدى تجليات ذلك البؤس أو ما يمكن أن نطلق عليه بـ (العصر الفاشوشي)، حيث المكتسبات الوهمية والابداعات الزائفة والفتوحات الكارتونية في شتى الاصعدة والميادين. ومما يتيح لمثل هذه المهازل بالبقاء والاستمرار؛ هو خلو الساحة من مؤسسات وقوى رقابية فاعلة، تنهض بمهمة كشف وتعرية هذه الممارسات والمصالح وحطام البشر الذي يقف خلفها ويمدها بعوامل ديمومتها. وان كان لا بد من تلبية شراهة هذه الشريحة من المهرولين الى تلك الولائم المتخمة بالجوائز والدروع والانواط، فالعنوان الوحيد الذي يليق بمآثر هذا “العصر الفاشوشي” هو (امدانه) بوصفها مفردة تختزن احتياطي هائل من الوجع والضيم الذي يليق بهذا المشوار الطويل من الهزائم المتتالية. وسط كل هذه العتمة وحدها قافلة الاعمال والنشاطات التطوعية؛ هي من شقت لها سبيلاً آخر بعيداً عن هموم واهتمامات قوارض هذا العصر المثقل بالعناوين والجوائز والالقاب الطنانة…
جمال جصاني
جوائز من هذا الزمان
التعليقات مغلقة