تعديلات أم ردة دستورية؟

بعد مشوار طويل ومرير من الأسلمة المدعومة من الرئيس المؤمن والذي قضى نحبه بـ “الرصاص الأشد ايماناً” وانتهت بسقوط سلطة ربيع العرب بيد الجماعة الام لموجة الأسلمة (الاخوان المسلمين) ووصول ممثلها القابع حالياً خلف القضبان محمد مرسي الى سدة الرئاسة، والذي أثارت سياساته وقراراته الاسلاموية موجة من الاستنكار والغضب لدى غالبية المصريين، مما اضطرهم للخروج بتظاهرات أشد وأوسع من تلك التي اسقطت مبارك، ولم يدر بخلدهم انهم بذلك مهدوا الطريق لصعود جنرال جديد لتسنم مقاليد الامور، هو عبدالفتاح السيسي والذي لم يتأخر كثيراً في اضفاء الشرعية على سلطته عبر انتخابات رئاسية جديدة أجريت وسط مزاج ومناخات معادية للتنظيم (جماعة الاخوان) الوحيد المنافس للمؤسسة (العسكر) التي حكمت مصر لأكثر من ستة عقود. ممثل العسكر والرئيس الحالي الجنرال السيسي والذي تجددت ولايته الى العام 2022 لم يجد هو والاعضاء الحاليين لمجلس النواب المصري هذه المدة كافية لتحقق مشاريعه الموعودة والتي تتطلب اجراء تعديلات على الدستور المصري والذي اقر بعد موجة التظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي اطاحت برئيسيين سابقين (مبارك ومرسي) في العام 2014 والذي تضمن مواد وفقرات تكبح جماح النزعات الدكتاتورية وتضمن التداول السلمي للسلطة وغير ذلك من المواد والقيم التي تنتصر للتعددية والحقوق والحريات. تعديلات سارع البرلمان المصري لاقرارها باغلبية 485 واعتراض 14 نائباً فقط وغياب أكثر من 90 نائباً، حيث مددت التعديلات للجنرال السيسي كي يكون بمقدوره حكم مصر الى العام 2034 ومبرر ذلك ان مسيرة “الانجازات وبناء مؤسسات الدولة” لا تتحقق من دون وجود السيسي..!
مشكلة “ام الدنيا” والتي تعممت على باقي مضارب “خير امة” انها ظلت رهينة المحبسين (العسكر وجماعة الاخوان) فلأجل أن تنجو من قبضة العسكر لا خيار امامك سوى المعسكر الآخر الذي لا يقل شراهة واجراماً عما هربت منه، أي (كالمستجير من الرمضاء بالنار) وهذا ما حصل تماما لانتفاضة الشباب المصريين وتطلعاتهم المشروعة في العيش كباقي الدول والمجتمعات التي اكرمتها الأقدار بدول حديثة ومؤسسات وتشريعات تنتصر لحرية الانسان وكرامته. مشكلة مصر وباقي البلدان المنكوبة مثلها بهذه الاوبئة القيمية والتنظيمية؛ انها لم تتمكن حتى اليوم من صنع وامتلاك المصل المضاد لهما، أي تنظيمات وطنية وحضارية تلتقي فيها الروافد السليمة لمجتمعاتها من دون تمييز على أساس “الهويات القاتلة”، كما جرى في غير القليل من البلدان التي نهضت لمواجهة تحديات عصرها الواقعية لا الخرافية.
ما صوت عليه برلمان مصر الحالي يعد ردة تشريعية وحضارية، ولا يحتاج المرء الى جهد كبير كي يكتشف المغزى الاساس لها؛ وهو احكام قبضة الجنرال السيسي على جميع السلطات وبنحو خاص القضاء المصري حيث قلصت التعديلات الأخيرة من نفوذه وصلاحياته واستقلاله المفترض. مثل هذا المنحى المتنافر وما خرجت من أجله الاحتجاجات والتظاهرات المليونية، سيضع مصر أمام دورة جديدة من سياسات الهدر والاستنزاف، وسيشرع الابواب أمام سلالات جديدة من “القطط السمان” تلك السلالات التي انحنت برشاقة أمام عجاج ربيع العرب، وسيعيد الروح لشبكات (الاخوان) الاخطبوطية وما يتجحفل معها من عصابات وجماعات الرسائل الخالدة؛ كي تمتطي الموجة مجدداً بوصفها الكيان الوحيد الذي يمتلك التنظيم والتمويل لادامة لعبة (عسكر-اخوان-عسكر) وهكذا الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة