مناطق مستباحة وقيادات مستراحة

حال المدن والمناطق التي استباحتها عصابات داعش الاجرامية وعلى رأسها ثاني المدن العراقية بعد العاصمة بغداد، أي الموصل لا يسر القريب ولا البعيد، وهذا ما نجده في جميع الاخبار والتقارير المحلية منها والدولية والتي تتناول حالها بعد مرور وقت غير قليل على تحررها، عندما اعلنت الحكومة العراقية يوم 10/12/2017 عيدا وطنيا ويوماً للنصر النهائي على داعش. في غمرة الاحتفالات والمهرجانات اطلقت حزمة من الوعود حول “عودة النازحين واعادة اعمار مدنهم ومناطقهم… وتقديم الخدمات وفرص العمل لهم و…” وها نحن نجدها اليوم وقد التحقت بذلك الارث الضخم من الوعود التي تكلست مفاصلها على دروب الانتظار. ما حصل في تلك المناطق والمدن لم يخرج عن نطاق ما هو سائد في هذه التضاريس الممتدة من الفاو لزاخو؛ حيث القوى والمصالح والعقائد والقيم التي كانت مهيمنة قبل ظهور وباء داعش واستباحتها لثلث الاراضي العراقية، عادت لفرض هيمنتها ثانية من دون ادنى وجع من عقل او ضمير، وكأن كل تلك الكوارث التي حلت بالبشر والحجر لم تترك أثراً يذكر في نشاطات وخيارات سكانها، والذين يبدون بانهم لا حول لهم ولا قوة أمام مشيئة حيتان ما بعد التحرير.
لم نكن يوما مع من يكتب أو يقول شيئاً عما كان يتوقعه من تحولات ايجابية ونوعية بعد تحرير المناطق من داعش، واصطدم بما حصل فيها من سوء ادارة وتخبط وفساد بعد ذلك؛ فمعرفتنا بما يجري على شتى تضاريس الحالة العراقية سياسياً وقيمياً واجتماعياً، وبنحو خاص ما تمخضت عنه الانتخابات الاخيرة من كوارث وفضائح ومعطيات؛ يجعلنا بعيدين عن مثل تلك الشطحات في مجال التحليلات الطوباوية، فما نسمع من عجز وفشل في اعادة بناء واعمار تلك المناطق يأتي منسجماً ونوع القوى والمصالح والقيم المهيمنة على المشهد العام في البلد، حيث تشكيلة الحكومة الموعودة لم تكتمل بالرغم من قرب مرور عام على اجراء الانتخابات، ومرور أكثر من عام على انعقاد مؤتمر الكويت الخاص بدعم العراق ومناطقه المنكوبة في ما يفترض انها مرحلة للبناء واعادة الاعمار، والذي ينطبق عليه المثل الشعبي “لا بين ابو عليوي ولا بينت مسحاته”. وفي هذا العزوف الدولي والاقليمي لا يمكن ان نلوم سوى انفسنا وعجزنا عن ازاحة هذا النوع من “القيادات” والعقائد والعقليات والممارسات المتفننة بطرد كل من تسول له نفسه في الاستثمار بهذا البلد المطوب لهذه الطبقة السياسية وحيتانها وقوارضها وما يطوف حول ولائمها.
ما يجري في مجال الادارة العليا لأكبر واهم المدن العراقية (بغداد والموصل والبصرة) يقدم الدليل القاطع على بؤس الحال العام لمدن ومناطق العراق قاطبة. وهذا الاصرار على اعادة تدوير نفس المخلوقات والادارات لقيادة المجالس المحلية لهذه المدن ذات العمق التاريخي والحضاري؛ يؤكد على ان الوقت قد فات على اية امكانية للتغير او تقويم حال ومنهج وسلوك هذه الطبقة السياسية، ولا خيار امامها سوى المضي بنا الى حيث ما تجيد وتتقن من سياسات وسلوك لا يمت بادنى صلة لقضايا خدمة الشان العام والوطن وشعوبه، لا سيما وهي مطمئنة تماماً مما يحيط بها من مناخات وقيم وبيئة متناغمة وكل ما تمارسه وترتكبه من انتهاكات وموبقات على شتى الأصعدة، لذلك هي ستبقى مستلقية ومستراحة على تضاريسنا المستباحة..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة