-1-
لا نذيع سراً اذا قلنا :
بان الأمراض الاخلاقية هي من أفتك الوان الامراض وأشدها على النفوس الصافية التي لا تضمر سوءً ولا تخبأ حقداً على أحد ، وتود ان يبادلها الاخرون نفس المشاعر ولكن هيهات ان تسلم منهم …
-2-
وفي المجتمع نماذج من الناس تنتقي أبشع عبارات البذاءة والشتيمة والانتقاص، ولا تتورع عن توجيه أقسى الاتهامات الباطلة الى من تناصبه العداء لِعِللِ واغراض نابعة من عُقَدٍ مستعصية على الحل ، وأوهام متراكمة لا نصيب لها من الصحة … هذا فضلاً عن اصطناع الاتهامات الباطلة ، وإثارة الشبهات والشكوك، انطلاقا من العداء المستحكم .
وقد واجه المصلحون عبر التاريخ وما زالوا أراجيف هذه الزعانف ، واشاعاتهم المغرضة وأقاويلهم المنكرة وسمومهم المبثوثة هنا وهناك .
-3-
ومن طريف ما سجله التاريخ في هذا الباب ان احدهم كتب رسالة الى الشيخ نصير الدين الطوسي (ت 672 هـ ) – وهو من العلماء الأجلاء وهو الذي اقام مرصد مَراغة الشهير –
وقال مخاطبا الشيخ في رسالته :
انّك كلب ..
فما كان من الشيخ الاّ أنْ أجابَهُ وقال في الجواب بعد السلام عليه .. وبعد ان استحفى السؤال عن أحواله، بانّك قد ذكرت في رسالتك بأنني كلب ولكني لم ادرك هذا المعنى عند ملاحظتي نفسي :
- فالكلب له اربعة ارجل في حين ان لي رجلين
وللكلب ذيل وليس لي ذلك
وهنا نلاحظ :
أولا :
مقابلة الاساءة بردٍ خالٍ من أيّ خدش للمشاعر بل بلطف وحسن أخلاق بدليل السلام على صاحب الرسالة البذيئة والسؤال عن أوضاعه واحواله وكأنه صديق حميم ..!!
ثانيا :
في هذا الرد أثبتَ له خطأَ اطلاقِ لفظ (الكلب) على الانسان وبيّن له الفوارق بينهما .
ثالثا :
أظهر من الحلم وسعة الصدر ما قد يحمل المسيء على مراجعة موقفه فيؤوب الى رشده .
رابعاً :
كان مصداقا لقوله تعالى :
{ واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما }
خامسا :
مارس عملية الوعظ والنصح والارشاد وتقويم الشخصية بعيداً عن الانفعال .
سادسا :
ذّكر المسيء عمليا باساليب التخاطب المقبولة بين الناس ، وأفهمه ضمناً بانّ رسالته كانت ناشزة لخروجها عن هذا السياق .
سابعا :
خلت الرسالة الجوابية من اي نزعة تكبر او استعلاء، والافاين الشيخ الطوسي – وهو العالم الكبير – من ذلك الجاهل المتحامل المتطاول عليه؟
ثامنا :
أضافت رسالة الشيخ الطوسي – رحمه الله – رقما جديداً من الارقام الباهرة من اخلاق العلماء الربانيين الذين لا يغضبون لأنفسهم …
وهذه الاخلاقية الرفيعة يستمدها علماؤنا من القادة الهداة الميامين من اهل البيت ( عليهم السلام ) الذين كانوا يحسنون الى من يسيء اليهم فكيف بمن يحسن اليهم ؟
وكانوا يحرصون على إذكاء شعلة مكارم الاخلاق .
وهنا يكمن الدرس البليغ .