من المسؤول..؟

بالرغم من الكم الهائل للمحن والكوارث والهزائم المتنوعة التي المت بنا نحن سكان هذه الاوطان القديمة، الا اننا نعجز عن ايجاد فرد او جهة تنبري لتحمل مسؤولية شيئاً من هذه الهزائم السياسية والعسكرية والقيمية والتي تفاقمت بشكل لا مثيل له في الآونة الاخيرة. والملفت للانتباه ان كل هذه المصائب وعوضاً من ان تتحول الى دروس وعبر للاجيال الحالية والمقبلة، كما حصل مع غالبية الامم والمجتمعات، نجدها عندنا تنخرط في مهمة اعادة انتاج القوى والعلاقات المسؤولة عن هذا الفشل العضال. هذه الحلقة المفرغة ستبقى تجترنا ان لم نشخص القوى والمؤسسات التي تقف خلف هذا الانحطاط المزمن، ومن يتابع تطور الاحداث بعد موجة الاحتجاجات الشعبية ضد نظام القهر والاستبداد أو ما عرف لاحقاً بـ (الربيع العربي) يمكن ان يتلمس بعضاً من ملامح هذه القوى الخفية وبنيتها المدججة بكل ترسانة الاجهاض المجربة.

وفي مجال عملنا (الاعلام) لم يعد سراً نوع القوى المهيمنة عليه، فقناة الجزيرة القطرية تعد مثالاً صارخاً، فهي اليوم بشبكاتها الاخطبوطية تمثل رأس رمح لاحدى الجبهات المسؤولة عن برمجة الحمولات الكاذبة لقبائل وملل خير أمة. ومثل هذه الحيوية في اعادة الحياة لمومياء العصور الغابرة عبر أحدث التقنيات والوسائل، نجدها في كل مكان من تضاريسنا المنكوبة، حيث الهيمنة شبه المطلقة على عقول وضمائر الحشود المليونية التي لا تكف حناجرها عن اطلاق الهتافات والدعاء لجلاديها حتى وهي تشحذ الاعانات الاجتماعية في بلدان الكفر والاستكبار العالمي..؟!.

غيبوبة شاملة تقف وراءها مؤسسات مدعومة بامكانات وامدادات هائلة، اجبرت راعية “العالم الحر” على التملق لها تحت مختلف الذرائع والحجج الواهية. ومن يتابع نوع الهموم والاهتمامات التي تشغل السواد الاعظم من شعوب هذه المضارب، يعجب لهذا الغربة الشاملة لها مع تحديات الحياة الحديثة، والتي ولجت لاطوار غرائبية بعد غزوة منهاتن. هذه الردة الحضارية تمتد جذورها في ذلك الكم الواسع من البرامج المدعومة من ممالك الرزق الريعي والنشاط الواسع للترويج لافكار ومفاهيم وجدت في البنية التحتية المتخلفة والهشة سنداً لها كي تستعرض مفاتنها الهرمة، في عالم تشيخ فيه المعلومة بسرعة الضوء. هذا الائتلاف الواسع من المصالح والقوى المحلية والدولية، هو من يقف عائقاً أمام وصول الوعي وسلع الحداثة المعرفية والقيمية لسكان هذه المضارب المنكوبة، هو من يدفعهم نحو مثل هذه المصائر التراجيدية، حيث يجدون انفسهم غالباً؛ فريسة سهلة لمثل داعش واخواتها من قوارض المجتمعات والامم.

جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة