موازنة النفقات السيادية

موازنة النفقات السيادية، هو الاسم المناسب لموازنة العام الحالي التي اقرها مجلس النواب، قبل ايام بعد مخاضات سياسية عسيرة. والنفقات السيادية، هي تلك المتعلقة بسيادة الدولة، والتي تقدم على غيرها من النفقات، لما لها من اهمية كبيرة، في صيانة سيادة الدولة من الناحيتين الداخلية والخارجية، فمن الناحية الداخلية، تتمثل النفقات السيادية، بتلك النفقات التي تخص اهم مؤسسات الدولة، وهي مجلس النواب، رئاسة الجمهورية، رئاسة الوزراء، وزارة الخارجية، هيأة المساءلة والعدالة…. ونفقات هذه المؤسسات، ترتبط بشكل مباشر بسيادة الدولة، حتى ان حصة اقليم كردستان، تصرف بعد خصم تلك النفقات. اما الجانب الخارجي للنفقات السيادية، فيتمثل بقائمة عريضة، بأسماء مؤسسات مالية دولية واقليمية، سبق وان استدان منها العراق، يتم في هذه الموازنة، تسديد اقساط تلك القروض، وهي تشكل نسبة كبيرة من الموازنة، حيث ان اغلب مواد قانون الموازنة للعام الحالي، تتمثل بتسديد اقساط قروض اخذت في فترات سابقة. وحتى في هذه الموازنة، تستمر الحكومة باتباع سياسة الاقتراض من تلك المؤسسات، لسد العجز المالي في تلبية متطلبات النفقات السيادية وغير السيادية، اي بمعنى يتم الاقتراض لتسديد اقساط القروض السابقة! وهو أمر غاية في الخطورة على اقتصاد البلد، وعلى مستقبل الاجيال، حيث ان سياسة القروض التي تتبعها الحكومة الحالية والحكومات التي سبقتها، تشير الى خلل كبير في السياسة الاقتصادية للبلد، اذ لا يمكن معالجة المشكلة بمشكلة اكبر. كما ان مبالغ تلك القروض، لا تترك اثرا في البنية التحتية للبلد، ولا تذهب الى اقامة مشاريع استثمارية مهمة، يمكن ان تدر دخلا تسدد به اقساط تلك القروض، بل تذهب اغلبها الى الموازنات الجارية او الاستهلاكية او الى رواتب لفئات محددة، اغلبها يحول الى خارج البلد. ولو عدنا الى نص المادة 9 من قانون الموازنة الذي نشر مؤخرا، لو جدنا قائمة بعشرات المؤسسات المالية الدائنة للعراق، فكيف يمكن الانتهاء بشكل كلي من تلك القروض؟ هل هناك خطة حقيقية وضعتها الحكومة للايفاء بجميع التزاماتها المالية تجاه تلك المؤسسات؟ هل ستبقى الحكومة تقترض الى ما لا نهاية؟ الا يمكن اللجوء الى بدائل اقل تكلفة من طريق الاقتراض؟ تنويع مصادر الدخل والتقليل من الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للموازنة، لا يحتاج الى معجزة، بقدر ما يحتاج الى ارادة سياسية، تنقل الواقع الاقتصادي الحالي الى واقع افضل، بعيدا عن الاقتراض وتكبيل الاقتصاد العراقي، بديون كبيرة، قد تبقى لعشرات السنين. ان النفقات السيادية التي يفترض ان يتضمنها قانون الموازنة، هي النفقات التي تذهب الى بناء المدارس والمصانع والمستشفيات والى دعم القطاع الخاص، والى توفير مساكن وبيئة صحية وتوفير الخدمات الى المواطن الذي يعتبر المالك الحقيقي للموازنة. ان اصل سيادة الدولة، ومبرر وجودها هو المواطن، الذي يعيش على الارض، ويقبل بكل ما تفرضه تلك الارض عليه، من أزمات وحروب وفقر، لإيمانه الراسخ، بأنها أرضه التي لا يتخلى عنها مهما حصل. اما ان تذهب النفقات السيادية الى جهات خارجية وداخلية، لا تترك اي اثر اجتماعي او اقتصادي، ولا يشعر بها المواطن، فهي نفقات سياسية وليست سيادية، تستهدف سيادة الطبقة السياسية وليست سيادة الدولة.
سلام مكي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة