الاحتلال ليس بريئاً من مشكلاتنا المائية

صلاح هنية
موضوع المياه في فلسطين كان حاضرا بقوة الأسبوع الماضي في الوطن.
بدأت الحكاية مع حملة منظمة خاضتها جمعية حماية المستهلك الفلسطيني لإشهار موقفها من قطاع المياه، وبالضرورة في مجال القرار الحكومي القاضي بتشجيع مزودي المياه لتركيب عدادات المياه مسبقة الدفع الذي يقود الى الإجبار فيما بعد ومن ثم يصبح ملف خصخصة المياه وتحويلها الى سلعة يستطيع المقتدر ان يصل إليها، في حين أن الفقراء لا تغطيهم وزارة التنمية الاجتماعية لأنها لا تمتلك قرارا بخصوص تغطيتهم في الحد الأدنى للمياه المستهلكة مجانا والمستهلكة مقابل سعر تغطية الوزارة ضمن برنامج الفقراء في الوزارة.
تعرضنا للسؤال: لماذا ترفضون عدادات المياه مسبقة الدفع؟.
عمليا قدمنا مرافعة طويلة حول هذا الموضوع جوهرها أن العداد كعداد ليس حلا بل أداة قياس يتم اصدار الفاتورة على أساسه ان كان يقيس بدقة او يقيس الهواء وغيره، بالتالي العداد ليس مسؤولا عن تقليل نسبة الفاقد غير الفني التي وصلت الى 30% وتزيد، وليس مسؤولا عن تسيب البعض بموضوع التحصيل اذ لا زالت بعض البلديات لديها نسبة تحصيل لا تزيد على 6% وما زالت تدير قطاع المياه ضمن حدود صلاحياتها، وهناك بلديات ومجالس قروية لا تدفع فاتورتها عن المياه التي تبتاعها، والمطلوب عقاب المواطن الذي لا تتراكم عليه فواتير ويدفع أولا بأول.
ويلح السؤال: عدادات المياه مسبقة الدفع ستكون من الجيل الثالث، ترى ما هي ميزات هذا الجيل؟ ما هي مواصفاته؟ هل سيلغي الشرائح المقسمة في التعرفة للمياه؟ هل سيخرجنا من السعر المنطقي للمياه للمستهلك أم سندخل في نطاق استرداد التكلفة؟.. طبيعي ان يستهان بهذه الملاحظات انطلاقا من النظام الابوي البطريركي «الحكومة لن تقصر مع الفقراء … الحكومة لن تحرم احدا من المياه … الخ، هل يكفي اطلاق الشعار لمعالجة موضوع المياه الذي يعد حقا إنسانيا لا يجوز حرمان أي كان منه مكفولا ذلك بحقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني والقانون الأساسي الفلسطيني ووثيقة اعلان الاستقلال التي احتفلنا بذكراه قبل أسابيع».
هل نكتفي بافتراض حسن النوايا وقد سبق وجربنا حسن النوايا وبات حالنا هذا الحال قيل لنا ان قناة البحرين ستزيد من حصتنا المائية زيادة عما خصص لنا في أوسلو وفجأة اعلن «بين البائع والمشتري يفتح الله» السعر على المياه الإضافية مضاعف، فعلت اللجنة المشتركة الفلسطينية – الإسرائيلية بعد ان علقت اعمالها سنوات وباتت معظم المشاريع معطلة فوجدنا ان المشاريع باتت متوالية في المستوطنات مائيا ومشاريعنا في المنطقة «ج» ممنوعة الا بموافقة اللجنة المشتركة وبعضها بالإمكان القيام به ويأتي الاحتلال ويهدمه ويدمره.
علقنا الجرس منذ سنوات وتحدثنا عن مديونية هيئات الحكم المحلي على فاتورة المياه التي لا تدفعها وتستخدمها في مشاريع أخرى، وهناك مديونية على المواطنين وطالبنا بتفصيل هذه المديونية على المشتركين وتوضيحها واشهارها لتكون واضحة من هم الذين تتراكم عليهم فواتير بآلاف الشواكل، وهل يعقل ان تتراكم فاتورة على مواطن معدل استهلاكه في سقف العشرة اكواب او خمسة عشر كوبا شهريا، بالتالي من هم الذين لا يدفعون، خبرونا افيدونا حتى نقف معكم لنوعيهم ونستقطبهم ليدفعوا.
لماذا لا تعقد اجتماعات مفتوحة بين مزودي المياه والمشتركين ليخاطبوهم لينظموا لهم برامج توعية ويستمعوا لآرائهم لكي يكون مزود المياه عارفا بحجم المشكلة ومواقعها ولا يجتهد اجتهادا لينعت كل المشتركين انهم مقصرون وهو الوحيد كمزود على صواب. لا يجوز ان يغطي عجز مزود الخدمة ماليا يعوضه من المشترك وعلى حسابه من دون رقابة من جهة واضحة المعالم.
لماذا يتراجع دور مجلس تنظيم قطاع المياه وأعضاؤه يجتهدون لطرح دليل إجراءات لتعزيز الشفافية والنزاهة في قطاع المياه، وهناك دراسة تعد عن وجهة نظر الشركاء في قطاع المياه من حيث الشفافية ورؤيتهم لتطوير القطاع.

لماذا تترك سلطة المياه وضع الاستراتيجيات والخطط وتستبدلها بدور اطلع وابحث واشرح.
لماذا نغفل دور الاحتلال الذي نهب مواردنا المائية وحرمنا منها وعزز المنسوب المائي في المستوطنات على حسابنا وحرم مناطقنا من الزراعة المروية وحتى مياه الامطار لا نتمكن منها، وفاتورتنا تصل 111 مليون شيكل جراء ضخ المياه العادمة في داخل الخط الأخضر، ولا نستطيع نحن التعامل مع المياه العادمة المعالجة ونكرر السؤال المعالجة لا نستعملها للوضوء فكيف نستعملها للزراعة!
لماذا لا نقارع الاحتلال ونستعيد حقوقنا المائية المنهوبة ولا نترك القضية المائية هادئة وكأنها ملف ثانوي على امل ان هناك من يسعى نيابة عنا لتحصيل حقوقنا المائية.
علينا ان نكف عن الادعاء أن استرداد التكلفة أمر محمود وعادل في فلسطين المنهوبة مائيا وستؤدي لرفع أسعار المياه من دون مبرر.
يجب توحيد التعرفة في فلسطين ولا يجوز ان يدفع المشترك ثمن المياه ستة شواكل في محافظات أخرى من 3 – 4.5 شيكل، وتوحيد تعرفة توصيل المياه الى المشتركين وعدم المبالغة في منطقة وهي اقل من النصف في بقية المناطق.
مع بدء عمل حكومة التوافق الوطني قبل أعوام واعوام كان هناك لقاء مفتوح قد عقد في منطقة الشعراوية في محافظة طولكرم بحضور وزارات الاختصاص، ويومها قيل الكثير عن نقل حصة من المخزون المائي في المنطقة وهي الحوض الغربي الى مناطق القلة المائية في محافظة جنين، وقيل ان الفكرة جاءت من عمق فكر حكومة التوافق، ولكن لم يحدث أي شيء لغاية اليوم.
قطاع المياه في فلسطين اشبع اطلاعا واشبع بحثا ولعل حجم المنح والمساعدات التي ضخت فيه كبيرة ولكن هذا جميعه لم يتعاط مع حقوقنا المائية المسلوبة، الامر تعدى مرحلة عبارة تصريف مياه الامطار، وتعدى بكثير مضخة عامودية ومضخة سطحية، وتجاوز كثيرا المشاركات في مؤتمرات وورش، بات بحاجة ماسة الى فعل على ارض الواقع يؤدي الى أن يشرب الناس وأن نبلغ حد وصول المياه في جميع أيام الأسبوع على مدار الساعة.
بات ملحا ان نتوقف عن السعي لتعديل قانون المياه الصادر العام 2014 ولم يجبر ولم يختبر ولم يبد انه بحاجة لتعديل الا اذا كان وراء الاكمة ما وراءها كتقليص لصلاحيات جهة في القطاع المائي ورفع شأن جهة أخرى.

ينشر بالاتفاق مع جريدة الأيام الفلسطينية

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة